الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
محمد عبد المجيد

مُعاناة الجيل الأول مع وطنٍ غادروه!

يُعاني أكثر مهاجري الجيل الأول من بلدهم الأم في العالم الثالث إلى وطنهم الثاني المضيف مشكلة تتفاقم مع مرور الوقت؛ فكلما اتسعت المسافة الزمنية زاد وجع المهاجر على وطن غادره ولم يتحرك أهل بلده من مكانهم إلا قليلا!

لنأخذ الأخبار والصحف والتلفزيون والبيانات الرسمية الصادرة في الوطن الأم مثالا حيــًا وموجعا و.. مؤسفا!

في الغرب اختفت رعشة الخوف من شفتي الضيف والمذيع والإعلامي والمحلل الاستراتيجي والأمني، ويأتي وكأنه في الامتحان النهائي قبل التخرج أو قبل الحصول على الماجستير أو الدكتوراة.

يتحدث كأنَّ مضيفــــَـه مدينٌ له، ولا يشير إلى توجيهات رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، وتنساب اللغة كنهر متدفق؛ فالخوف ليس واقفا على باب الاستديو، وأجهزة الأمن لن تنتظره في الخارج، والوشاة لن يجدوا من ينصت إليهم إذا همسوا في أذن الكبير، تماما كما حدثت آلاف المرات في العالم الثالث.

في العالم الثالث يكفي أن يقترب مستشار أو واشٍ أو ببغاء بشري من أُذُن الكبير ويقول له بأن الضيف أو الشاعر أو الأديب أو الحزبي كان يقصده عندما تحدث عن الحيوان المفترس أو اللص أو الجاهل أو الديكتاتور أو السجّان أو السفاح؛ وهنا تكون نهاية المسكين الذي قد لا يفقه في السياسة أو الدين!

فُسحة من الوقت بقدر الموضوع لا تزيد ولا تنقص، ومساحة من حرية التحليل والحديث والشرح داخل إطار قوانين الرأي يستمتع بها الإعلامي والضيف في الغرب، أما في العالم الثالث فالضيف غالبا يكون صيدًا، والمحاورالمضيف يرتشف فنجان قهوة في مكتب ضابط الأمن قبل البرنامج وبعده!

في الغرب لا ينتقم المحاور من ضيفه، وفي العالم الثالث يبدأ الضيف أولى خطواته نحو نادي المنافقين أو.. إلىَ زنزانة تحت الأرض!

يجلس مهاجرو الجيل الأول هنا في الغرب وهم يتحسرون على بلدهم الأم، والغريب أن كثيرًا من المهاجرين أحضروا معهم في الغُربة شاحنات من الخوف الذاتي، وهم على استعداد للدفاع عن زعيم أهانهم قبل سفرهم، فالتصقوا به بعد وصولهم إلى الغرب، وظلوا ينافحون ويدافعون عنه ويبررون جرائمه جهرًا أكثر مما كانوا يفعلون سرًا في وطنهم الأم.

قابلت الكثير منهم، واصطدمت مع أغلبهم فالديكتاتور في بلدهم الأم يرسل إليهم أشباحــًا أمنية تنام في أحضانهم لتتأكد أن كوابيسهم لم تنقلب لأحلام، وأن طائفيتهم تستمر معهم في المهجر فتجعلهم يلعنون بني جلدتهم المنتمين لعقائد ومذاهب وأديان وأفكار أخرى.

السوط يهوي على الظهر في الوطن الأم ويتحول إلى صوت في المهجر حتى لو كانت الهجرة لجــَـنــّـة الحرية والبهجة والأمن والسلام واختفاء المخبر من خلف صحيفته المثقوبة.

في عالمنا الثالث يشعر الديكتاتور بغبطة السيد كلما احتجت الرعية على جهل مسؤول أو برلماني أو وزير أو مدير جامعة أو مستشار فيمُدّ له في منصبه، ويُقرّبه إليه!

في الغرب كل مسؤول، مخطيء أو مُصيب، يُذاكر كتلميذ نجيب قبل انبلاج كل فجر جديد، فكل يوم هو امتحان، علمي وأدبي ولغوي ومعلوماتي، والحساب الحكومي عسير والحساب الشعبي أقسىَ؛ أما الحساب الإعلامي فهو الجـَـلــْـدُ الورقي أو الالكتروني.

لذا تنتاب مهاجري الجيل الأول في الغرب رغبةٌ عارمة في البكاء على وطنٍ غادروه وما يزال، غالبــــًا، واقفـــًا في مكانه، أقصد نائمــًا في فـِراشه!

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

أوسلو في 28 مارس 2020

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.