د. ماجد عزت إسرائيل
يسود العالم حاليًا حالة من الرعب والخوف والهلع بعد انتشار فيروس كورونا ومع اتساع نطاق تفشيه، أصبح الفيروس منتشرا في أكثر من أربعين دولة حتى الآن بين دول العالم، ومع تخطي العدد الإجمالي للإصابات في الصين(78 ألفا نسمه).وعلى الرغم من ذلك دعت منظمة الصحة العالمية إلى عدم الذعر من تفشي الفيروس. وكورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان.
ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس).
ومن الجدير بالذكر يسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض فيروس كورونا كوفيد- 19. وهو مرض معد.
ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس وهذا المرض المستجدين قبل اندلاع الفاشية في مدينة “يوهان” الصينية في ديسمبر 2019. ومن الأعراض الأكثر شيوعاً لهذا المرض الحمى والإرهاق والسعال الجاف. وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال. وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ تدريجياً.
ويصاب بعض الناس بالعدوى دون أن تظهر عليهم أي أعراض ودون أن يشعروا بالمرض. ويتعافى معظم الأشخاص (نحو 80%) من المرض دون الحاجة إلى علاج خاص.
وتشتد حدة المرض لدى شخص واحد تقريباً من كل(6) أشخاص يصابون بعدوى كوفيد-19 حيث يعانون من صعوبة التنفس. وتزداد احتمالات إصابة المسنين والأشخاص المصابين بمشكلات طبية أساسية مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو داء السكري، بأمراض وخيمة. وقد توفى نح(2%) من الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض.
ولقد لجأت بعض الدول للوقاية عن طريق الحجر الصحي للحالات المشتبه فيها،وتأجيل الدارسة بالمدارس ومباريات كرة القدم، وارتداء الكمامات، مع إنتاج لقاح لفيروس كورونا.الخلاصة.. العالم يسوده الرعب والخوف من الموت.
على أية حال،تقوم الحياة بصفة عامة على الجهد البشرى،والبشر طوال تاريخهم على سطح الأرض، حاولوا أن يتكيفوا مع بيئتهم؛ عن طريق البحث عن الموار الطبيعية المتاحة فى بيئتهم، ومحاولة استغلالها فى أشباع حاجاتهم من أجل البقاء والاستمرارلأجسادهم ولأسرهم، وخلال الزمن حاولوا ان ينتقلوا من مرحلة ألى مرحلة آخرى، مثل الانتقال من المرحلة البدائية لجمع الغذاء إلى بيئة التخصص فى جمع الغذا والصيد،وظهرت هنا جماعات النبات، وجماعات الصيد، ثم سرعان ما انتقلوا إلى بيئة الزراعة العشائرية، والبيئة الريفية والحضرية، ثم بيئة مدن الغرب، فبيئة الثورة الصناعية والديموجرافية الأوربية، حتى وصل الإنسان إلى يوماً هذا, والتى تعرف بيئته بمجتمع المعرفة الكثيفة.
على أية حال، نستطيع أن نستنج عبر التاريخ؛ أن هذه الجماعات البشرية خلال مرورها بالعديد من المراحل المختلفة أستطاعت أن تنتقل تدريجياً من مرحلة إلى مرحلة آخرى من خلال الحفاظ على كيانها الاجتماعي وربما السياسى، حتى أصبحوا قادرين على تأسيس مجتمعات قادرة على الحفاظ على ذاتها وأستدامتها من خلال الارتباط والتوجهات الثقافية المشتركة. تلك المجتمعات المختلفة أستطاعت من خلال تعدد أنماطها الاستمرار من خلال إعادة إنتاج( توالد) البشر، وعملية التوالد تقف نقيضاً لعملية الانحلال(الموت)، ولذا نجد أن القدماء المصريون، اهتمواً ، بالموت مع كراهيتهم له وتعلقوا بالأمل في البعث بعد الموت، فقد كتبوا عنه “الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان،ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء لن نعــود إلى الأرض أو نرى الشــــمس”،وكــانوا يعتقدون في الحياة الآخرة، ويرجع ذلك إلى طبيعة البيئة المصرية القديمة والفترات الطويلة من التأمل في الظواهر الطبيعية ، خاصة في شروق الشمس وكأنها تولد، وفي غروبها وكأنها تموت، ثم بزوغها من جديد في اليوم التالي،وهكـذا رأوا أن الموت امتداد للحياة وأن الحياة امتداد للموت.
والموت فى الثقافة هو نهاية الحياة لأى نظام اجتماعى حى مثل الأجساد والجماعات والمجتمعات، الموت ينهى الفعل الاجتماعى والممارسات الاجتماعية، ولذلك نظر إلى الموت فى ثقافتنا الشرقية، بإنه شر وقدر محتوم، ولكنه استمرار للحياة بشكل أو بآخر، كذلك يمكن أن يساهم جسد المتوفى رمزياً فى إعادة ميلاد الحياة،وهناك علاقة بين الأحياء بالأموات من خلال الممارسات الاجتماعية من ممارسة أستكمال طقوس الدفن، والرغبة القوية لدى الأحياء كى يظلوا على اتصال بالآخرين الأعزاء الذين رحلوا عنهم، بزيارتهم كى تظل علاقاتهم موصولة، وهذه العلاقات تصورها لنا أغانى الموت الحزينة التى تعبر عن ألالم والحزن والتى لا تخف حدتها خلال فترة الحداد(غالبا أربعين يوماً)، ويؤدى هذا النوع من الغناء من خلق شعور بالمواساة والسلوى لدى الأحياء غير القادرين على تقبل الموت، كما تسهم فى إحداث تحول من الشعور بعدم قبول الموت إلى قبوله فى النهاية عن طريق تأكيد استحالة عودة المتوفى.
على أية حال، سار التفكير الفلسفى على خطين فيما يتعلق بالموت والحياة، أحدهما يدرس الحياة من حدها، ويرى أن الموت هو الذى يعطى الحياة معنى بالنسبة لنا نحن الكائنات المتناهية الفانية، فمن فكرة أفلاطون عن “التدريب على الموت” إلى التحليل الوجودىلـ هايدجر والذى كشف عن” الوجود نحو الموت”، كان التيار الرئيسى للفلسفة الغربية مخلصاً دائماً، لهذا الخط. وهناك جانب آخر من الفلاسفة وهم قلة فى واقع الأمر، ساروا على نهج “أبيقور” القائلة بأن:” الموت هو لا شىء”، فإذا كن الموت مجرد لا شىء ولا معنى له بالنسبة للحياة، فلن نستطيع أن ندرس الحياة من حدها، بل على العكس يجب أن ندرسها لذاتها، وحينها سيتضح معنى الحياة من داخلها.وهذا الخط من فلسفة الحياة والموت عبر عنه الفيلسوف الهولندى” سبينوزا” الذى عاش فى القرن السابع عشر الميلادى وقال:” الموت هو أخر ما يفكر فيه الرجل الحر”.
وفي أواخر القرن المنصرم ذكر الراهب المتنيح أباكير السريانى فى مقالته عن “الموت” قائلاً”… آرى أن بعضكم بسبب ضعفهم،أو تمتعهم بمباهج العالم الحاضر،أراهم لا يقفون بنفس الصلابة ولا يظهرون القوة الروحية التى تقهر،لذلك وجدت أن المشكلة لا يجب أن تنكر أو نقف إزاءها صامتين ..” هنا بمحبته وحكمته أراد أن يوصل رسالته على أن البعض يحبون مباهج الحياة وسلطانها والتمتع بها،ويكرهون الأمراض لأنها الطريق للموت الذى يخافون منه ويهربون من سماع كلماته،ولذلك حذرنا الرب من ألا نرتجف أو نضطرب أمام عواطف وشهوات ودوامات هذا العالم،لأن المحنة تزاد أكثر فى الأيام الأخيرة، لأن الرب وعدنا قائلاً:”هكذا أنتم أيضًا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة ،فأعلموا أن ملكوت الرب قريب” (لوقا31:21).
على أية حال، حاول الراهب فى رسالته عن الموت طرح سؤاله لعامة الشعب قائلاً: “إن السمائيات تحل محل الأرضيات،والباقيات محل الفانيات.إذن أى مكان بيننا لأى قلق أو إضطراب؟من منا سيكون مرتجفاً أو حزينناً إلا الذى يحيا بغير إيمان أو رجاء؟ من يخاف الموت إلا الذى لا يريد أن يذهب إلى المسيح؟ ومن لا يريد أن يذهب إلا الذى لا يؤمن أنه سوف يكون معه إلى الأبد ؟ !”، كما ذكر لنا مثالاً رائعاً عن حياة إيمان سمعان الشيخ الرجل البار الذى أعلمته السماء أنه لا يرى الموت حتى يعاين الطفل يسوع، الذى حمله على ذراعيها وهتف قائلاً:” الآن تطلق عبدك ياسيدى حسب قولك بسلام “( لوقا 29:2).