الأحد , ديسمبر 22 2024

أمي الحبيبة الطيبة – ورؤيتها للخوف!

د.ماجد عزت إسرائيل

اليوم الأحد الموافق 23 فبراير 2020م تحل علينا  الذكرى الحادية عشر لرحيل أمي الحبيبة الطيبة (1931-2009م)، ففي كل عام من شهر فبرايـــــر تحل ذكـــــراها العطرة ،حيث تنيحت (توفيت) فى(23 فبراير2009م)،فى ليلة بدء الصوم المقدس.

ولشهر فبراير ذكريات حزينة في تاريخ العائلة، حيث بالأمس القريب احتفلنا بذكر رحيل أخى جمال الذي تنيح في 10 فبراير 1991م، ورحلت أيضًا خالتى وابن الخالة،والصديق العزيز سمير سامي 8 فبراير 2018م.

واليوم أحبائي القارئ أريد أن نتحدث عن الخوف بمناسبة ذكرى رحيل أمي الحبية الطيبية، فالخوف حالة طبيعيّة فسيولوجية ونفسية تشعر بها جميع الكائنات،والخوف عند الإنسان لم يكن في طبيعته عند خلقه، قبل خطيئته أبوينا الأولين. فلما خلق الله آدم، كان يعيش مع الوحوش ولا يخاف. وكانت علاقته مع الله أيضًا خالية من الخوف. ولكنه بعد الخطيئة بدأ يخاف. ومن فرط خوفه اختبأ وراء الأشجار.وقال لله: “سمعت صوتك في الجنة فخشيت”(تك3:10).وزاد مرض الخوف بعد قتل قايين لأخيه: وتحول إلى رعب.

والحقيقة المؤكدة في الكتاب المقدس ليس كل خوف خطيئته أو حربًا فهناك خوف مقدس، فقد قال السيد المسيح: “وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.” (مت 10: 28).” “بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!”(لو 12: 5).

على أية حال،تختلف نسبة الخوف من شخصٍ إلى آخر، تبعاً لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الخوف. ومن أعراض الخوف التى تظهر على الجسم نذكر منها الحركة الزائدة، والغضب والانفعالات القويّة،والشعور بالإرهاق والإجهاد والإصابة بالإسهال،وعسر الهضم، والتبول الزائد عن الحد،وزيادة سرعة نبضات القلب،وأصبحت هناك درجات من الخوف،الخشية والجُبن والفزع، والهلع، والرعب بل يمكن أن يموت الإنسان من شدة الخوف، ويمكن أيضًا أن يفقد عقله، أو تنهار أعصابه ويرتعش جسمه خوفًا.

وصار الخوف إحدى الحروب الروحية التي يحارب بها الشيطان الإنسان. وللخوف أنواع نذكر منها الخوف الطبيعي مثل الخوف من الظلام والمجهول والحركة المفاجئة،والأماكن المتّسعة أو المغلقة، والخوف من الموت،والخوف من الناس والشيطان والفشل والخوف بلا سبب!

وبعد أن تعرفنا على الخوف وأسبابه وأعراضه وأنواعه ورؤية المسيحية للخوف،علينا في السطور التالية إلقاء الضوء على رؤية أمي الحبيبة الطيبة. فعندما توفي والدي وترك لأمي سبعة أولاد خمسة أبناء ذكور وبنتين في مراحل تعليمية وعمرية مختلفة، فلم يدخل قلبها الخوف ولو لحظة واحدة على مستقبلهم لإيمانه ورجائه في الرب يسوع،ودائما ما كانت تردد ما ذكر بالكتاب المقدس قائلاً: وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً،وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا(رومية8: 37-39)،وأيضًا” لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ:لاَ تَخَفْ.أَنَا أُعِينُكَ”. أشعياء (41 :13).

وبالحق علمت أمي الحبيبة الطيبة جمع أبنائها حبهم ليسوع  وللكنيسة لأنها مصدر الحنان والأمان لكل إنسان،وأيضًا حبهم للناس وللمجتمع بلا تفرقة أو تميز،وكذلك المشاركة المجتمعية، وواصلت استكمال تعليمهم بالمدارس والجامعات، وشغل بعضهم بعض الوظائف في مؤسسات الدولة المصرية.

وعندما قامت حرب(6 أكتوبر 1973م) كان لأمي الحبيبة الطيبة نجلها الأكبر” منير” ضمن صفوف الجيش المصرى العظيم، وكان ضمن صفوف سلاح البحرية وكانت منطقة تجنيده بمنطقة الزعفرانة التى تقع على ساحل البحر الأحمر. فلم تخف أمي بل كانت تصلي دائما بصراخ ودموع إلى الله قائله:” يارب أنت تعلم كل شىء أنصره هو ومن معه ورجعه سالما إلينا.. يارب أنت تعرف ما في قلوبنا أحفظه وأحميه بظلك…… أنت يارب فاحص القلوب الكلى… ” ، وربما لسان حالها يردد مع الكتاب المقدس قائلاً:”إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ”.(يوحنا 14 :27). وعندما رجع معظم الجنود بعد الحرب من على الجبهة تأخر أخي كثيرا؛ً ولكن كان لدي أمي الحبيبة الطيبة ثقة كبيرة في الرب بعودته وبعد فترة وجيزة رجع بالفعل وعمت الفرحة الأسرة.

ومن منطلق الخوف من محاربة الشياطين كانت أمي الحبيبة الطيبة تؤمن أن الشيطان لا يستطيع أن يقرب إليك، بدون سماح من الله. وكانت تدرك محبة الله للإنسان بحيث لا يسمح له إلا في حدود استطاعتك أنت في أن تنتصر.ومن الجدير بالذكر كانت أمي الطيبة تردد المزامير ونذكر هنا منها: “أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا.” (لمزامير23:4-5). وأيضًا “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي،مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ.” (لمزامير 1:27-3).

ولم تخف أمي الحبيبة الطيبة على أبنائها من الفشل، بل كانت دائما تبث فيهم روح النجاح والتشجيع المستمر من أجل تحقيق أحلامهم، وتذكرهم بالرساله الثانية للقديس بولس الرسول لأهل تيموثاوس حيث كتب لهم قائلاً:” لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ،بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ” (2 تيموثاوس1 :7).وأيضًا عندما فكرت في تحويل منزل والدتها إلى كنيسة للصلاة في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، لم تخف من المتشددين الإسلاميين على نفسها أو عائلتها، لأنها كانت تثق في وعود الله ومحبته. وكانت تردد ما ورد بالكتاب المقدس قائلاً:” لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ، وَلاَ مِنْ خَرَابِ الأَشْرَارِ إِذَا جَاءَ.لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ، وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ”.( الأمثال ٣: ٢٥- ٢٦).

ومن الجدير بالذكر كنت تتمتع أمي الحبيبة الطيبة بمحبة كبيرة من كل سكان القرية أقباطها ومسلميها. فكانت دائما تنشد أناشيد المحبة والسلام وتذكر الجميع بقول السيد المسيح: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.” (يو 14: 27). وأيضًا “بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!” (لو 12: 7). بالحق نقول كان الجميع يحب أمي الحبيبة الطيبة ويهابها. ففي جنازتها ودعها كثيرين إلى مثواها الأخير. بالحق رحلت أمي الحبيبة الطيبة في يوم الأحد الموافق( 23 فبراير 2009م)، وتركت لنا ذكريات ومعاني جميلة عن الخوف،لا يمكن أن تمحو من الذاكرة… نياحاً لروحك الطاهرة… يا أمي الحبيبة الطيبة!!!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.