الأحد , ديسمبر 22 2024
ناريمان مطر

هل من احتياج رعوى لكهنوت المرأة ؟!

في سنة 2012 أثار اخواتنا الإنجيليين هذه المسألة عبر الفضائيات ووسائل الإعلام وإن كانوا تناولوه من الناحية الحقوقية والمساواة بين الرجل والمرأة وتم الرد عليهم بردود كتابية ولاهوتية قاطعة، وأن الموضوع لا علاقة له بالمساواة بينهما و التي هي مساواة كنتاج للثورة الفرنسية و الحضارة الغربية!

بل المساواة كمفهوم في المسيحية . فالله ساوى منذ بدء الخليقة بينهما في الحقوق والواجبات، و أما اختلاف توزيع الأدوار بينهما لا يعطي تمييزاً لطرف عن الطرف الأخر يستوجب المناداة بالمساواة، فالمساواة لا تتعارض مع الترتيب الذي وضعه الله بين الرجل والمرأة منذ البداية، فالجميع أمام الله واحدٌ في المسيح : «ليس ذكر و أنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع» «غل3: 28» .

اليوم يعيدون لنفس السؤال ويطرحونه ( بشكل مُبطِن ) لا لشيء سوى أن هناك بعض ممن يحاولون تمرير كهنوت المرأة كأمر واقع و مفروض في بعض الكنائس الكاثوليكية الغربية، و ربما وصل لدرجة ( الاحتياج الرعوي ) !! فهل عُدِمت الكنيسة رجالها لتحتاج لكهنوت المرأة كما في بعض كنائس الغرب، لتتحول من كنائس لمعابد كمعابد أثينا الوثنية التي كانت فيها المرأة كاهنة ؟! فهل من هذا المدخل يستدرجون باقي الكنائس السرائرية المشرقية والغربية لتعمم فيها بِدعة كهنوت المرأة ؟!

– الكنائس السرائرية أي التي تقوم على خدمة «الأسرار المقدسة» ويختلف فيها مفهوم القس الإنجيلي و ( وظيفته) عن مفهوم الكاهن و( خدمته) بمعنى أن الكنيسة الإنجيلية لا تعترف بـ «سِرِّ الكهنوت»، وبالتالي فهي كنيسة ليست مخيَّرة لاختيار المرأة لخدمة سِرِّ الكهنوت وخارج الجدال الدائر لأن ما يهمها هو ترسيمها للقس «كوظيفة» لا تحمل «رتبة كهنوتية»

لهذا لا يسمى القس الإنجيلي «كاهناً»، بينما الكاهن باعتباره وكيل لأسرار الكنيسة فهو قِسّ يحمل رُتبة « كهنوتية لخدمة باقي الأسرار المقدسة » بحسب « التسليم الرسولي» للكنيسة الأولي منذ تأسيسها وترسيمها طبقاً لنصوص الكتاب المقدس

فهي كنيسة الله السرائرية: «هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح و وكلاء سرائر الله» «1كو4: 1» فالكاهن هو خادم ووكيل لله في ممارسة « السرائر أي الأسرار المقدسة»، فلامجال للقول بأن الكنيسة تفرق بين الرجل والمرأة لأن الكهنوت ليس وظيفة بل خدمة بل أن هذه الخدمة لا يصلح لها كل الرجال بل( المُعيَّنين من الله)

لأن يكونوا وكلاء على الأسرار الإلهية. و لم يحدث في تاريخ الكنيسة ولا قبلها في الهيكل المقدس ولا في خيمة الإجتماع، أن صارت المرأة كاهنة، بل لم تقم المرأة بخدمة الكهنوت على مر التاريخ منذ بدء الخليقة، وهذا المنع ليس له علاقة بطبيعة تكوين المرأة كما يقال من بعض المغرضين .

– فحين خلق الله آدم وحواء متساويين في المكانة والكرامة وفي الحقوق والواجبات« اصنع له معيناً نظيره»« تك2: 18»، و« نظيره» تعني المساواة بينهما في القيمة الإنسانية، ولكن آدم خلق أولاً فهو « أصل ومصدر و رأس» الخليقة، بينما حواء خلقت منه فهي ليست مصدر الخليقة ولا رأسها،«لأن آدم جُبل أولاً ثم حواء»« 1تيموثوس2: 13»، فكما أن الأب ولد أولاً فهو الذي يعلِّم إبنه وليس العكس، ولأنه خلق أولا فهو من يعلِّم حواء، ليس لأن آدم أفضل منها ولا حواء أفضل منه، لأنهما جسداً واحداً في الرب.

– كذلك قطع الله (عهده الأبدي ) مع أدم وليس مع حواء، حين أوصاه ألا يأكل من الشجرة المُحرَّمة«تك2: 16»، وبالتالي كان هو المسئول الأول أمام الله عن السقوط وعن كسر العهد الإلهي باعتباره أصل و رأس الخليقة، لهذا عاقبه الرب قالاً: «لأنك سمعت لقول امراتك وأكلت… » «تك3: 17»

لأن الله خلقه وله السيادة وقيادة المسئولية باعتباره أصل الخليقة، فكان عليه ألا يخضع لامرأته ويكسر العهد الأبدي الذي قطعه مع الله،فبدا واضحاً مشهد السقوط أن آدم وحواء لم يفهما الترتيب الإلهي الذي خلقهما الرب عليه حين خالفوا وصيته

لذلك قال الرب لحواء: «وهو يسود عليك» «تك3: 16» وليست السيادة هنا هو السيطرة والتسلط والتمييز و المفاضلة في القيمة والمكانة الإنسانية، بل ( للتدبير ) فقد أراد الرب أن يعيد الأمور إلى نِصابها بينهما كما خلقهما عليها، وهو أن لآدم سيادته وقيادة المسئولية والتدبير كأصل الخليقة، (بحسب الترتيب الإلهي لعملية الخلق) .

لهذا بعد الخروج من الجنة علَّم الرب آدم وليس حواء، كيف يقدم ذبيحة حيوانية كمحرقة كفارية للمغفرة، وكان آدم وأبنائه من الذكور« قايين وهابيل» «تك4: 4- 5» هم أول كهنة يقدمون خدمة الذبيحة ، وهذه الملامح الأولى لخدمة الذبيحة المقدسة وتقديم القرابين، والتي رسخها الله ليقوم بها الرجل

ولم تذكر التوراة أن حواء وبناتها قاموا بتقديم ذبائح كفارية بالرغم أن حواء هي من أخطأت أولاً، ولكن لأن آدم كان صاحب العهد الأبدي الذي قطعه مع الله وأصل الخليقة فصار المسئول الأول أمام الرب، وجاء الكهنوت بصورة أوضح مع بداية خدمة ملكي صادق ثم سبط بني هارون«اللاويين» والمختص بالكهنوت وطلب الرب ذكور اللاويين بدلا من أبكار كل الاسباط “عدد3”.

ولم يكن بينهم إمرأة تكهن لا في خيمة الإجتماع ولا أمام تابوت العهد عند خروج اليهود من مصر حيث طلب الرب تقديم كل ذكر بِكر فاتح رحم “خروج13” ، كما لم تكهن إمرأة في الهيكل المقدس رغم وجود نبيات عظيمات من اليهود!

– رغم أن الكتاب المقدس مملوء بشخصيات نسائية، كُنَّ نبيات مثل «مريم أخت هارون» « خر15: 20» و« هَلْدَةَ النَّبِيَّةِ» «2مل22: 14» و«حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ»«لو2: 36»، و قاضيات مثل «وَدَبُورَةُ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ» قاضية ونبية «قض4:4»، وجاء المسيح وأختار تلاميذه الأثنى عشر لم يكن بينهم إمرأة رغم أن «نساء كَثِيرَاتٌ كُانَّت تخْدِمْ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ»« لو8 : 2»

ونساء كثيرة كانت تخدم في الإجتماعات مثل حماة بطرس ومريم أم يعقوب ومريم أخت مرثا، فالسيد المسيح أعطى كرامة للمرأة في كل المواقف المهمة في حياته، حين تجسد من نسلها وحين صُلب كانت المريمات واقفات عند صليبه، وحين قيامته كانت المرأة « مريم المجدلية» هي أول من شاهدت قيامت قيامته وحمّلها رب المجد مسئولية تبشير باقي التلاميذ بقيامته، كذلك السيدة العذراء التي مكانتها من القداسة والكرامة تفوق مرتبة جميع القديسين والأنبياء فهي فخر جنس البشرية، ولكنها لم تكن كاهنة.

فبحسب الترتيب الإلهي للخليقة جعل الله المرأة تخضع لرجلها أي ( لا ترأسه ولا تسوده ولا تتسلط عليه) لأنها خُلِقت منه لكي تعينه ولكنها «نظيراً» له أي مساوية له، ففي الأصل لم يأتِ آدم من إمرأة ولا لأجلها: « لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل» «1كو11: 8- 9» ، فالرجل يسود المرأة في قيادة وتدبير المسئولية

لأنه رأس وأصل الخليقة، فإن كان هو رأسها فهي جسده، لهذا في خدمة الكهنوت لايصلح أن يترأس «الجسد» على «الرأس» في الكهنوت والتعلُم والوعظ، لأن التعلُّم في (الإجتماعات العامة وأثناء خدمة القداس ) هو عمل يحتاج لسلطان وقيادة، كذلك في قوله: «أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح

وأما رأس المرأة فهو الرجل و رأس المسيح هو الله» «1كو11: 3»، ونحن في تقديم ذبيحة القداس نصلي للمسيح الذي هو رأس كل رجلٍ فلا يصح أن تقدم الذبيحة إمرأة مُتعدية الترتيب الذي رسمه الرب منذ بدء الخليقة وهو أن (الرجل رأس المرأة ) و ( السيد المسيح رأس الرجل) لا المرأة

وليس معني هذا أن الرأس مميز وأفضل من باقي الجسد، ولكن الرأس هنا يعني المصدر والأصل والقيادة والإتحاد، وعليه مسئولية القيادة لباقي أعضاء الجسد لتحقيق وحدة الجسد وإتحاد أعضائه، فلا وجود لرأس بدون جسد ولا لجسد بدون رأس، فكما أن رأس السيد المسيح هو الله الآب لا تعني أن أقنوم الآب أفضل من أقنوم الإبن، لأنهما أقنومين متساويين في المجد الإلهي، ولكنها تعني أن لكل أقنومٍ تخصيصه أي (دوره الذي يميزه )

كذلك الحال بين الرجل والمرأة لكل منهما دوره المكلف به من الله، فالمرأة «معيناً» للرجل أي تساعده ولكن لاتقوده ولا تتسلط عليه، لهذا يقول بولس الرسول عن تساوي الرجل بالمرأة: «غير أن الرجل ليس من دون المرأة و لا المرأة من دون الرجل في الرب

لأنه كما إن المرأة هي من الرجل هكذا الرجل أيضا هو بالمرأة و لكن جميع الأشياء هي من الله»«1كو11: 11- 12»، فمن ناحية الكهنوتية فالسيد المسيح ليس فقط رأس الرجل بل هو رأس الكنيسة كلها، والكنيسة التي هي جماعة المؤمنين يمثلون أعضاء جسده المبارك، فهو رئيس الكهنة العظيم:

« فاذا لنا رئيس كهنة عظيم قد إجتاز السموات يسوع إبن الله» «عب4: 14، 7: 23»، فإن كان السيد المسيح هو ( رئيس كهنة ) إذاً هناك كهنة يرأسهم! والكاهن هو نائباً ووكيلاً عن رئيس الكهنة العظيم الذي هو السيد المسيح ويستمد خدمته الكهنوتية من المسيح، لهذا لاتصلح المرأة أن تحمل خدمة الكهنوت لتصبح هي الرأس في قيادة الكنيسة التي هي جماعة المؤمنين والذين هم أعضاء في جسد المسيح، متعدية الترتيب الإلهي الذي أسسه الرب منذ بدأ الخليقة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن البعض يُرجع رفض كهنوت المرأة هو قول القديس بولس الرسول لهذه الآية: «لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا… لانه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة» «1كو14: 34- 35»، في الحقيقة هذه الآية لها مناسبة خاصة

وكان يوصي بولس الرسول بها نساء كرونثوس الوثنيات حديثي العهد بالإيمان المسيحي اللاتي إعتدن علو صوتهن في طقوسهن الوثنية بالمعابد، حيث قال لهن قبلها: «لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام» «1كو33:14»، فالصمت هنا ( للإنصات وعدم التشويش )

على سماع كلمة الله وفي حضوره الإلهي أثناء الصلوات والقداسات، وليس لأن تصمت تماماً عن الكلام كما يُخَيَّل للبعض!

أما قوله: « لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع، ولكن لستُ آذن للمرآة أن تعلم و لا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت» «1تيمو2: 11»، فالسكوت والخضوع هنا لايقصد منه صمتاً نهائياً للتحقير والتقليل من شأنها ومن دورها، ولكنه سكوت الخضوع الذي إرتبط بألا تعلِّم« تعليماً عاماً» وتتسلط على الرجل داخل الكنيسة، لأنه لو كان يقصد صمتاً نهائياً للتقليل من شأنها ماكان عاد ليقول:

«و أما كل إمراة تصلي أو تتنبأ و رأسها غير مغطى فتشين رأسها »«1كو11: 5»، فمعنى« تتنبأ» هنا أي «تُعلم وتعظ» فكيف ستصلي وتعلم وتعظ وهي صامتة ؟! كذلك الله حين أعلن في نبوءة يوئيل أن المرأة ستتنبأ عندما يسكب روحه القدوس على كل البشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم «يوئيل2: 28»، وهي نفس النبوآة التي ذكرها بطرس الرسول يوم حلول الروح القدس على المؤمنين: «يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم… وعلى عبيدي أيضا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون» «أع2: 17- 18»، الله أعطى موهبة التنبؤ أي ( الوعظ) للمرأة مثلها مثل الرجل وحتى الإماء سكب عليهن من روحه بلا تمييز، وخدمة التنبؤ تعني الوعظ والتعلم، إذاً السكوت هنا داخل الكنيسة أثناء صلاة القداس العامة وخدمة الكهنوت فقط، وكان الغرض منه الخضوع للترتيب الإلهي الذي خلق الله عليه الرجل والمرأة.

وتذكر الكنيسة الأولى أن المرأة صارت شماسة والشموسية هي خدمة تكريس وليست رتبة كهنوتية ، مثل« فيبي» خادمة كنيسة كنخريا «رومية16: 1» و« أوليمبياس» التي كانت شماسة للقديس يوحنا فم الذهب، والمرأة صارت إشبينة ومكرَّسة و راهبة ودارسة في كلية اللاهوت الأولى وخادمة في مدارس الأحد وكانت تقود الصلاة بين النساء وتتنبأ أي تعلم وتعظ النساء الموعوظات« حديثي الإيمان بالمسيحية» في الإجتماعات الفردية الخاصة بالنساء، ولكن ليس داخل الكنيسة أثناء خدمة القداس ولا تتنبأ وتوعظ لعامة الشعب في الإجتماعات العامة، فالسيدة العذراء أم الرب يسوع تنبأت وكذلك تنبأت بنات فيلبس الأربعة «أع21: 9» ولكن لم يكن لهن دوراً في خدمة الكهنوت لأنه مستمداً من الكاهن الأعظم السيد المسيح.

من هنا ترفض الكنيسة الأرثوذكسية شعباً وكهنة ، و ترفض جميع الكنائس المشرقية كهنوت المرأة تبعاً للأحداث الفعلية التي اختار فيها الله الرجل ليكهن، فالكهنوت عبر تاريخ البشرية مستمد من تعاليم الله ذاته في كتابه المقدس منذ بدء الخليقة ! فلا يصح أن تغتصب المرأة وتتعدى على كهنوت الرجل ( بكهنوت بشري ) غير مستمد من كهنوت المسيح ( رئيس الكهنة الأعظم ) ! . فلا مجال لإختراق الكهنوت لهدمه بالهرطقات ، سواء من المعارضين له أو من هراطقة الكنيسة الغربية !

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

تعليق واحد

  1. دكتور فى المهجر ولست كاهنا

    شكرا ابنتى العزيزو المحترمة كاتبة المقالة وبعد : ابنتى العزيزة لمدة أربعة قرون ظلت كنيسة واحدة ولا يوجد كهنوت للمرأة وهذا ليس تقليلا من شأنها …وانقسمت بعدذلك الى كاثوليك وأرثوذكس وظلت حتى القرن السادبع عشر بدون كهنوت للمرا’ة وبالمسيحية طائفتان فقط ..وظهرت البروتستانتية فى القرن السابع عشر وتفرعت منها حتى الان أكثر من الفين طائفة مسيحية – للأسف – ومن هذا التاريخ وابتدأت البدع فى المسيحية . ..وبدأت البدع ومنها رسامة المرأة قسا وأسقفا بل رئيس أساقفة وهذا فقط فى الكنائس البروتستانتية وما يشابهعا ..الى هنا وهم أحرار أن يفعلوا فى كتائسهم ما يشاؤون وبقية الطوائف أيضا هم أحرار فى عدم منح المرأة لقب كهنوتى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.