قديماً و نحن في الصغر كنا ننظر للطبيب نظرة احترامٍ و تقدير و إعجاب ما جعلنا نحلم بإمتهان مهنة الطب و ما جعل عقولنا تحبها بشغف ولما لا فهي المهنة المقدسة المُصانة المُقدرة العظيمة و أيما عظمه فهي مهنه الأوقات الحرجة و الإنسانية بأكملها فهي المهنة التي تساعد الإنسان في أحلك و أضعف أوقاته و يكفينا نظرة الحب و الاحترام التي كانت من كل المرضي و ذويهم لطبيبهم والتي تنبع من احترام لشخصه لا خوفاً منه و لا رعباً من سلطاته و منصبه وقدرته علي إلحاق الأذي ، ولا أنكر شخصياً أن الجانب الأنساني لم يكن وحده من يجذبني لهذه المهنه بل ككل طفلٍ و شاب يحلم بأحلام ورديه لمستقبله و كنت أري أن الطب بالطبع سبيل لهذه الأحلام المستقبليه المشروعه بمجموعة ال(ع) التي كنا نحلم بها .
و لكنه يبدو حقاً كان مجرد حلم استيقظنا منه علي واقع أليم مزري بائس حيث لم نجد هذا الإحترام الذي شاهدناه بأم أعيننا سابقاً ولا وجدنا مجموعه ال(ع) الشهيره بل وجدنا إعلاماً لا هم له إلا السب ليل نهار في مهنتنا و الدعاء علي كل من امتهنها و خلق قصص واهيه يصدقها للأسف بلهاء البشر و ضعاف النفوس من الحاقدين والذين لم تساعدهم قدراتهم علي الوصول لهذه المهنه العظيمه.
إعلام موجه سفيه يأتي بأطباء السبوبة ليأكلوا علي جثث زملاء المهنه و يستضيف أطباء البيزنس و من يدفع أكثر بل و من هم معروفون في الوسط الطبي بسوء الخلق و السلوك حتي لو كانوا من العلماء حقاً ، حتي وصل الحال بهم الي السخريه من الطب و الأطباء ويقلب العامه ضدهم ولا أنسي أبداً أحدهم من تحدث بسخريه عن ما يحمله الأطفال من كتب علي ظهورهم و هو يشعر بالأسف لهذا الجيل (اللي أخره طب مثلاً).
أصبحنا بلا حقوق ماديه و بلا حقوق معنويه و اختفي هذا الإحترام السابق الذي عهدناه صغاراً حتي أضحي الأطباء من أقل مهن البلاد راتباً حتي أنه و حسب احصائية حكوميه أخيره أصبح كبيرنا تحت خط الفقر و الذي حددته الاحصائية ب ٨٨٠٠ جنيهاً مصرياً و تحول الحكيم باشا إلي مرمطون يهينه المسئولون في وزارته و جهات عمله كما أصبح دمه مباحاً من قبل أهالي المرضي جراء حمله شعواء موجه ضد الأطباء جميعاً.
ولم يكفي المسئولون كل هذه الإهانات بل أدت الغطرسة و الغرور إلي فرض تدريبات ودورات تافهة لا قيمة لها علي أطباء الأقاليم و بدون تنظيم في العاصمة و وصل الاحتقار إلي إبلاغهم بها قبلها بيومين فقط مع عدم توفير وسيلة مواصلات فهم ليسوا من علية القوم حتي تهتم بهم وزارتهم ، و باءت كل محاولات الاعتذار بالفشل ما أجبر الطبيبات المسكينات بعد بث الرعب داخلهم من ويلات الجزاءات و النقل التعسفي فما كان منهن إلا الإمتثال إلي الأمر لحضور دوره تدريبيه عظيمه تافه عن كيفيه الفحص المبكر للثدي و سرطانه اللعين .
استقلت الطبيبات ميكرو باص الموت في رحلة ذهاب بلا عوده في منتصف الليل في ليلةٍ بارده من ليال الشتاء القارسه مضطرين رغم الظروف القاسيه من حملٍ و إعياء متحاملين علي أنفسهن لحضور محاضره لا قيمة لها كان من الممكن تنظيمها في بلدهن أو بالإتفاق مع كلية الطب التي تخرجن منها ، و وقعت الكارثه في حادث سير شديد العنف ليموت السائق و معه طبيبتين في الحال و لينقل إلي المستشفيات القريبه الحالات الباقيه و بعضهن في حالة حرجه و كم كانت المآساه حينما تسمع لقصصهن المفزعه فمنهن من هي عروسُ حديثه و منهن من كانت في مهد حملها و الذي لم ينتهي الألم عند فقدانها لحملها بل أصبحت عاقر بعد إزالة رحمها !!.
استشاط الأطباء غضباً كالمعتاد و لكن لا حياة لمن تنادي فقد تم إجراء المحاضره العظيمه في موعدها دون إحراج و دون إنسانيه ولا مراعاة شعور المصابات و ذوي من راح ضحية التعسف بل و زاد الأمر قرفاً أن أحالت الوزارة طبيبه كانت قد ضربت بقرارهم عرض الحائط إلي التحقيق رغم الحادث المآساوي!!.
اختفت الإنسانيه و تحجرت القلوب و ضاعت الأحاسيس و انهارت القيم و المبادئ و اكتملت بقرارات اللامسئولين بتعويض الضحايا و ذويهم برحلات حج (رغم أن منهن طبيبات مسيحيات) و أعلنت الوزاره إطلاق إسم الضحايا علي وحدات صحيه في رد فعل مسرحي هزلي !!.
ولكن ما أبشعها تلك التعليقات التي تناولت الحادث بشكل ساخر من الأطباء بشكل عام فكيف لنا أن نغضب من مجرد حادث سير؟؟ ، هل هي عنصريه الأطباء و غطرستهم المعتاده ؟؟ و منهم من يري أن الطبيبات قتلهم الطريق كغيرهم ؟؟ متناسين أنهن سافرن مجبرات لأمر لا يرتقي أبداً لرحله ليليه لطبيبات شابات كن من شهور في غياهب الأحلام الورديه الخداعه وكانت البسمه لا تغيب عن وجوهن البريئه و متناسين أنهن مرسلات في مهمة عمل تعذيبيه بدون مقابل ، كما أنهم كالمعتاد يتناسوا أي مميزات لوظائف بعينها خوفاً بل ومنهم من يبررها لهم و لكن يرون أنها كثيره ولا يستحقها أصحاب البالطو الأبيض قتلة المرضي و جزارين البشر كما يصورهم الإعلام لعوام البشر.
نعم أدافع عن مهنتي و عن كرامتها فكرامة المعلم و الطبيب غير قابله للفصال ولا النقاش و هذه الكرامه ليست أدبيه فقط بل هي ماديه معنويه أخلاقيه لإنسانيتها و قيمتها و أهميتها ولو كره الكارهون.
كثيراً ما أتساءل لماذا الأطباء في هذه المآساه ؟؟ ولماذا هم أكثر فئات البشر في وطننا رغبهً في الهجره ؟؟ ولماذا أصبحنا نشعر بالغربه في وطننا الحبيب ؟؟ ولمصلحة من كراهية وزارة الصحه لأبنائها؟؟ ألا يلاحظ العامه قبل المسئولين حجم هروب الأطباء من العمل الحكومي بل و من مهنة الطب و الهجره خارج البلاد؟؟ متي يعود الحكيم باشا إلي وضعه الطبيعي كما هو الحال في كل بلدان الدنيا؟؟