د.ماجد عزت إسرائيل
ولد يونان لبيب رزق فى 27 أكتوبر 1933م، بمدينة زفتى التابعة لمحافظة الغربية بدلتا مصر،لأســـرة قبطــية متوسطة الحال،وتلقى تعليمــه حتى المرحلة الثانوية بـذات المدينة،حتى إلتحق بكلية الآداب قسم التاريخ،بجامعة عين شمس فى منتــصف القـــرن العشرين، وتخـرج فى عام 1955م، وواصل دراسته العـــليا في هـــذا المجال بنفس الجامعة حتى حصل على ماجستير التاريخ الحديث في عام 1963 م، وعلى شهـادة الدكتوراه في التاريخ الحديث من نفس الجامعة عام 1967م.
بدأ يونان لبيب رزق حياته العملية فى عام 1969م كمدرس للتاريخ الحديث بكلية الآداب جــامعة عين شمس،وواصل دراســاته وأبحـــاثه التاريخــية حتى رقــى فى عـام 1979م ،إلى درجة أستاذ مساعد ثم أستاذاً ورئيس قسم التاريخ بـذات الكلية،وظل يعمل بها حتى خروجه على المعاش في عام 1994م
وبعـــيدا عن المناصب الجامعية شغـــل منصب مدير مركز تاريخ الأهــرام، عضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة،عضو المجالس القومية المتخصصة، عضو المجلس الأعلي للصحافة،عضو بمجلس الشوري، عضو اتحاد المؤرخين العرب.
وكان اختـياره للتدريس فى كلية البنـات بجامعة عين شمس فرصة أتاحت له أن يشكل مدرسة تاريخيــة شكـــلها وفـق رؤيتــــه، فـــركز على محـورين أساسيـــين: المؤسسات كالأحـزاب والـوزارات والجمـعيات وغيرهـا، والشخـصيات العامــة، مـــثل محمد باشا محمود وبطرس باشا غــالى، ومصطفى باشا النحـــاس، ثم ذهـــب لاستكمال تاريخ مصر من خـلال رسائل الماجستير والدكتوراه، وهى بالمئات أشرف عليهـا،وهـذه المدرسة، كانت مكمـلة لزملائه فى الجـــامعات الآخرى
نـذكر هــنا على سبيل المثال مدرسة الراحـل الدكتور “رءوف عبــاس حامـــد ” (1939-2008م) بجـامعة القــاهرة ،ومدرسة الـدكتور “عاصم الـدسوقى”بجامعة حلـوان”ـ أطـال الله عمره ــ وكلاهما أهـتم بالتاريخ الاقتصادى والاجتماعى لمصر،فـإذا وضعت هذه الرسائل للثلاثة مدارس، جنبًا إلى جنب وجـدتها فى نهـاية الأمر موسوعة تاريخية لمصر الحديثة و المعاصرة.
على أية حـال، أشاع “يونان لبيب” المعرفة التاريخية بين أوساط الشعب المصري؛ فبسط اليهـــم التاريخ المصري وقــدمه سهلا مفـــهوما من خلال كتاباته فى الــعديد من الجرائد والمجالات خصوصا في الأهـــرام والمصور وغيرهــما من الصحف الاخرى، فضلا عن حضوره الدائم بفكره وثقافته ورؤيته الدقيقة الثاقبة،
أستطاع الدكتور يونان أن يمزج بين الصحافة والتاريخ من خلال مقالاتة الاسبوعية منذ عام 1995م في جريـــدة الأهــرام” ديــوان الحياة المعـــاصرة “، والتي عمـل من خـــلالها علي التــوثيق لبعض مجريات وقائع التاريخ المصري الحديث منذ بدايات القرن المنصرم.
وقـدم للمكتبة المصرية والعربية والعالمية العديد من المؤلفات التاريخية بلغت نحو 70 مؤلفاً،وهى تعد اليوم من أهــم مصادر تاريخ مصر الحديث والمعاصر
فنـذكر على سبيل المثال الحياة الحزبية في مصر في عهد الاحتلال البريطانى ،وحرية الصحافة في مصر(1778-1924م)، والأحـــزاب المصرية قبل الثــــورة، ومصر والحرب العـــالمية الثانية، والوفد والكتاب الأسود
والأصول التاريخية ومســألة طابا (دراسة وثائقيـــة)، وطابا قضية العمر، وقراءات تاريخية على هامش حـرب الخليج، ومذكـــرات فخرى عبد النور، ومذكرات عبد الرحمن فهمى، والأهرام ديوان الحــياة المعاصرة، والعـــلاقات المــصرية المغربية، ومعظم أصدراته كانت صادرة عن مركز تاريخ الاهرام .
كما دافــع” يونان رزق” عن حق مصر في طابا ــ كان ضمن فريق الدفاع والبحث فى قضية طابا ــ فكان لكتابه “الأصول التاريخية ومسألة طابا” الذي قدمه في عام 1983، دور بارز في التحكيم بأحقية مصر بمنطقة طابا التي أثبت أنهــا أرض مصرية وليست إسرائيلية كما كانت تدعي إسرائيل، وذلك في التحكيم الدولي الذي جرت وقائعه في عام 1981م وشارك فيـــه
وحكمت المحكــمة لصالح مصر وعادت طابا لمصرنا الحبيبة، ورفع علم مصر عليـها فى عهد الرئيس “محمد حسنى مبارك” فى 19 مارس 1989م،كما ساهم فى عضوية مصر فى مؤتمر مدريد عام 1990م،وشارك فى المفاوضات فى قضية حلايب وشلاتين عام و 1993و1992 م. ولنبوغه فى مجال الدراسات التاريخية، وموقفه فى قضية طابا، كرمته مصر فمنحته جائزة الـــدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقـافة عام 1995م، وجائزة الفكر العربى عام 2002م،وجائزة مبارك في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004 م،وجائزة الحركة الثقافية اللبنانية عام 2004م.
أما حياته العــائلية فكان متزوجاً ولديه بنتين متزوجتين،وجد لأربعة أحفاد،ويعيش فى حى مدنية نصر فى شـرق القاهـــرة العاصمة لمصر،وبعد صراع طويـــل مع المرض، إثر أزمة قلبية حادة،توفى فى 15 يناير 2008م ، وشيعت جنازته من كنيسة السيدة العذراء فى مدنية نصرــ وكاتب هذه كان من ضمن الحاضرين لصلاة قداس الجنازــ ورحل عن عالمنا الفانى فى عن عمر يناهز 75 عاماً،نيـح الله نفسه فى فــردوس النعيـــم و بين أحـضان القـديسين ،حـــيث كان مثلا يحـــتذى به، ورمزاً من رمـوز مصر وعالمنا العربى الحبيب.