مختار محمود
“أنا أولاً..ومن بَعدى الطوفان”.. الانطباعُ الذى تخرج به عند متابعة أية مُقابلة صحفية أو مُتلفزة مع “معالى الوزير”. لا يتحدثُ الرجل إلا عن نفسه وإنجازاته التى لا يراها غيرُه. يُشعرك دائماً وأبداً بأنه “الشيخ الأسطورة”، و”العالم العلَّامة”، و”نمبر وَن”، رغم أن الواقع يُنكر ذلك تماماً!
فى حوار صحفى مُطوَّل داخل مكتبه.. تحدَّث “معالى الوزير” كثيراً عن نفسه وكتبه وإصداراته التى يراها “دُرَّة التاج”، زاعماً أنه أتى فيها بما لم يأتِ الأوائلُ، رغم أن الواقع ينكر ذلك تماماً!
أظهر “معالى الوزير”، فى الحوار الأخير، نرجسية مُفرطة، وحُبَّاً للذات بلا حدود، وعدم اعتراف بسابقيه ومُعاصريه من أهل العلم والفضل، رغم أن هذا ليس من سِمات العلماء الحقيقيين.
إنَّ تحرير المنابر من شيوخ الفتنة والجهل والتطرف، قد يكون إنجازاً، رغم أنه من لزوم ما يلزم فى أية دولة صغيرة، فما بالكم ببلد الأزهر الشريف؟
ولكنَّ الغريبَ أنَّ”معالى الوزير” يصرُّ على أن ينسب فضل تطهير المنابر من دُعاة العنف، ورُعاة الظلام إلى شخصه فقط، رغم أن الواقع يُنكر ذلك تماماً.
استمرأ “معالى الوزير” هذه الأكذوبة، وراح يُرددها بلا خجل، باحثاً عن تقدير لا يستحقه، وتكريم ليس أهلاً له، تكريم يُشبه تكريم “هانى أبو ريدة” فى حفل “الأفضل”، فكما أن الدولة المصرية هى مَن حررت المنابر واستأصلت جذور العنف، فهى أيضاً من وفرت كل الإمكانيات لتنظيم النسخة الأخيرة من “أمم أفريقيا”، أما أن يُشخصن هذا أو ذاك “إنجاز الدولة” فى شخصه، فتلك حماقة، يجب أن يحاسب عليها من يقترفها ويستبيحها، وإن كانت الأمانة تستدعى الإشارة إلى أن “أبو ريدة” أذكى من “معالى الوزير” فى هذا الأمر، حيث لم نسب الرجل الفضل إلى أهله، وهو ما يستعصى على “معالى الوزير” فهمه أو الاقتداء به!
يتغافل “معالى الوزير” الحديث عن ملفات الفساد داخل هيئة الأوقاف، وما يتم تداوله بشأن “صناديق النذور، ولكنه يُوجِّه دفة الحوار دائماً وأبداً نحو “منابر المساجد”، متناسياً أنه قام بتجريفها تماماً، سواء من خلال خُطبه الجوفاء التى يلقيها بنفسه، أو التى يُعممها على بقية المساجد.
وافق “معالى الوزير” أو رفض، فإنَّ منابر المساجد، فقدتْ فى زمنه الممتد أهميتها وجدواها فى توعية عموم المسلمين، وأصبحت الخطب والدروس أشبه بـ “الطعام البايت” و السلع مُنتهية الصلاحية.
كانت المساجد فى فترات سابقة، وقبل استوزار “معالى الوزير”، باستثناء المُختطفة من تيارات العنف، مناراتٍ لبناء الأجيال الجديدة، تمدُّهم بصحيح الدين، تضبط توجهاتهم، تُصوِّب مساراتهم، فلما ابتليتْ به المساجد، فقد المجتمع جانباً كبيراً من “قواه الدينية والأخلاقية”، وينعكس ذلك على ما حلَّ بواقعنا البائس من انحراف وانحلال واختلال فى القيم.
متى يقف “معالى الوزير” مع نفسه مرة واحدة، يعاتبها على غرورها المتفاقم، ويلومها على نرجسيتها المتراكمة، ويدعوها إلى التواضع، باعتباره من سمات العلماء الذين ينسبُ نفسه إليهم قسراً؟ متى يتفرغ “معالى الوزير” إلى دوره السياسى والإدارى، فيُطهر هيئة الأوقاف مما أصابها فى عهده غير الميمون، ويحافظ على أموال صناديق النذور من السلب والنهب، ويترك المنبر لأصحاب العلم والحضور والموهبة، وهو ليس منهم، ويدعُ القِبلة لذوى الأصوات الندية والألسنة المستقيمة، وهو ليس منهم؟
“معالى الوزير”.. احتكارُك المنبر والقبلة، لن يصنع لك تاريخاً، كما تتوهم، ولن يخلد لك ذكرى، كما تخطط، فما هكذا تُوردُ الإبل.. أقول قولى هذا، وأدعو الله لك بالهداية وحُسن المآل.