انستاسيا مقار
” تعظم نفسي الرب و تبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر الي تواضع أمته. فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم، و اسمه قدوس، ورحمته الي أجيال و أجيال للذين يتقونه “. لم أجد أنقي و أطهر كلمات تعبر عن عظم و مجد هذا الحدث العظيم، سوي صلاة أطهر و أنقي المخلوقات سيدتنا و ملكتنا كلنا السيدة العذراء مريم.
فعندما جاء ملئ الزمن، أراد الله أن يخلص البشرية من عبودية الشيطان، لم يجد في جميع الأجيال سوي إنسانه واحده، ليس لها مثيل من قبل و من بعد، كاملة الطهر و النقاء، أصطفاها من كل نساء الكون ليجعلها سيدة البشرية، مريم الأم و الملكة.
تعالوا نتعمق قليلا داخل أدق تفاصيل رسالة ميلاد المسيح لنا، سنجد أن الله له كلي المجد أراد أن يصل الي كل منا داخل قلبه بعمق، ليعيد لنا الإنسانية التي خلقنا بها. فمن خلال ميلاد المسيح ترسيخ الانسانية بأجمل المعاني منها البساطه، التواضع و الجمال.
نلاحظ في قصة الميلاد ان الله لم يقتصر أحداث الميلاد علي وجود بطل أوحد وهو الطفل يسوع المولود، بل كانت بطوله مشتركة و مفرحة ايضا، بداية من ملاك البشاره الملاك رافائيل، نجم المشرق، المجوس، الرعاة، أطفال بيت لحم، اليصابات، يوسف النجار و البطلة الرئيسية كانت مريم الأم.
تفاصيل دقيقة داخل هذا الحدث العظيم المنتظر منذ بداية الخليقة، كان المتوقع أن يولد المسيح كملك عظيم جبار يحكم العالم بمنظورنا الارضي السطحي، و بالأخص شعب الله المختار الذي أنتظر المخلص منذ مئات السنين، لم يتخيلوا يوما ميلاد المخلص الملك العظيم في مذود بقر حقير دون مأوي من عذراء بسيطة متواضعه، الي أن رآها سمعان الشيخ بعينه و اعترف قائلا: ” الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرت خلاصك الذي أعدته قدام جميع الشعوب، نور للأمم، و مجدا لشعبك إسرائيل “.
كان المجد الحقيقي يكمن داخل العذراء مريم، هذه الانسانة النقية التي تقبلت هذا الخبر الذي لم يصدقه عقل بفرح عظيم، لكن تعالوا معي ندخل الي أعماق قلب العذراء مريم الأم، و نتخيل كم كانت أم عظيمة حقا بكل المعاني، فبرغم من جسدها الضعيف و وسط هذا البرد و الصقيع الشديد،
و السفر دون مأوي فقد أدت دورها أم علي أكمل وجه، لم تتهرب من المسئولية بل بالعكس، تحملت آلام الولاده و المخاض و متاعب الطريق لمكان بعيد دون راحه حتي وصلت الي مدينة بيت لحم ليكتتبوا بحسب أمر هيرودس الملك. تحملت ايضا التعب النفسي عندما رفضوا ممن طرقوا أبواب منازلهم لاستضفاتهم حتي تضع طفلها و تستريح قليلا. لكم أن تتخيلوا كم المعاناه الشديده التي قاستها هذه العذراء حتي تلد إبنها بسلام و تنظر إلي مخلص العالم بعينيها، لم يكن الأمر سهلا تماما و لكنها تحملت و تحملت الكثير بحب و حنان فائق الحدود و الطبيعه.
مريم أم المخلص.. بعد كل ما عانته من آلام جسدية و نفسية استحقت كرامة عظيمة علي مر الأجيال، فقد كرمتها جميع الأديان السماوية، كل البشرية علي مر التاريخ أجمعت علي كرامة و مجد السيدة العذراء مريم، فهي أعظم و أنقي سيدات الكون. هذه الابنة المتواضعة كرمها الله علي الارض و في السموات ايضا، لأنها لم تترك إبنها السيد المسيح طيلة أيام خدمته علي الارض ثلاثة و ثلاثون عاما منذ ولادته و حتي لحظاته الاخيره علي الأرض تنظر إليه و تحت اقدامه دائما.كم كان بقلبها هذا الحب العظيم.. أرسلت لنا رسالة واضحة و صريحة في هذا العيد، رسالة لمست قلبي و قلب كل أبنائها، رسالة حب ، تضحية، تواضع، قبول التجارب بفرح و ايضا بمسؤولية و اخيرا رسالة نقاء القلب.
قصة ميلاد الطفل يسوع هي قصة خلاص عظيم بلا شك، لكن تكمن داخلها رسالة واضحة و صريحة و هي كل عطاء بحب و نقاء، كل عطاء بتضحية و تحمل المسؤولية، كل تجربة صعبة نتحملها بفرح و شكر، يتوجها بالنهاية الله لنا فرح عظيم دائم و كرامة و مجد حقيقي علي الارض و ايضا في السماء.
كل عيد ميلاد مجيد و أنتم في فرح دائم.