الجمعة , نوفمبر 22 2024

القدّيس مار أفرام السُّرْياني…… وبرية شيهيت بوادي النطرون (٣٠٦ – ٩ يونيو ٣٧٣ م.)!!

د.ماجد عزت إسرائيل

في عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير(306-337م) وُلد مار أفرام السُّرْياني من أبوين مسيحيين بمدينه نصيبين في أوائل القرن الرابع الميلادي وبالتحديد نحو عام(306 م)- مدينة نصيبين إحدى بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين) وهي مدينة تاريخية تقع ضمن الجزيرة الفراتية العليا ومنطقة إدارية تقع حاليًا ضمن حدود تركيا وتتبع محافظة ماردين.

وتعود هذه المدينة إلى الألف الثاني قبل الميلاد. وتقع في أسفل جبال كاشياري على نهر يتفرع من الخابور في أقصى شمال شرقي بلاد الرافدين سمي في العصر الإغريقي (مكدونيوس) ثم سمي (ماسا) الاسم الذي تصفح إلى موسى. وهي على الأرجح مدينة أرامية باسم نصيبينا. وكانت تعتبر مركزا تجارياً لمرور التجارة من بلاد آشور وفارس إلى البحر الأعلى (المتوسط)، فقد سكنت فيها قبيلة (بيت- تمناي) الآرامية على الأرجح في القرن الحادي عشر ق.م. فيها يوجد دير القديس مار يعقوب الأثري القديم الذي يحوي على مزار القديس مار يعقوب شفيع نصيبين والذي يتبع أبرشية طور عبدين السريانية، كما يوجد فيها اليوم متحف ضخم لمختلف الحضارات التي تعاقبت على نصيبين. بالإضافة إلى موقع المدينة بين نهري دجلة والفرات ملاصقة لمدينة القامشلي السورية (نصيبين الجديدة)، ضمن الجزيرة العليا.

كل هذا جعل منها منطقة سياحية هامة في جنوب شرق تركيا.وترجع تسمية نصيبين إلى الكلمة السريانية (ܢܨܝܒܝܢ)، وبالعربية النصبات أو الغرسات المنصوبة وهو اسم جمع سرياني لكلمة (ܢܨܒܬ̥ܐ) السريانية وذلك كون نصيبين مغروسة على ضفاف نهر جقجق، بين النهرين العظيمين دجلة والفرات- وقد ذكر مار أفرام قائلاً: “وُلدت في طريق الحق، مع إنني في صبوتي لم أدرك عظمة الحق، وإنما عرفته بالتجربة”، وقال في ذات السياق: “كان والديّ معترفين أمام القاضي، نعم إني قريب للشهداء”. ومن الجدير بالذكر أن القديس مار أفرام السُّرْياني تربي منذ حداثته علي يد القديس ماريعقوب (308-338م) أسقف المدينه، فعلمهُ وعمدهُ وإصحبهُ معهُ إلى مجمع نيقيه عام(325م) الذى أُدينت فيه الأريوسية وكل الهراطقة. أى كان عمره نحو(19)عاماً. وعرف عنه أنّه كان دائمًا بكّاء،عابس الوجه، ولم يضحك قطّ، والكنيسة السريانية تصف المتنسّك بالبكّاء. وبعد نياحة القديس يعقوب بقى مار أفرام ملتصقًا بالثلاثة الأساقفة خلفائه على الكرسي وهم:بابو،فولوجيس،إبراهيم. وربما عمل مار أفرام كرئيس للمدرسة التابعة للكرسي. وعلى إثر احتلال الفرس لمدينة نصيبين، تسلم الفرس المدينة بموجب معاهدة صلح بين سابورShapur  ملك الفرس وجوفنيان Jovian، فاضطر جميع المسيحيين إلى تركها، ومن بينهم القديس مار افرام حيث توجه إلى عام 363م إلى مدينة آمد (في ديار بكر) عند أخواله، وبعدها مضى إلى الرها  Edessa. نحو عام 365م وعاش هناك ناسكاً مع نساك جبل الرها.

وفي مدينة نصيبين أتُهم بالزنا إذا كانا خادم الكنيسة الذى يدعى أفرام قندلفت أى المكلف بإضاءة قناديل الكنيسة، قد زنى مع بنت أحد رؤساء المدينة ولقنها أن تقول إن مار أفرام هو الذى أخطأ معها. بعد ذلك أحضر والدها الطفل للأسقف الذى بكته أمام الشعب فلم يدافع عن نفسه وقال فى إنسحاق أخطأت يا أبى، فأخذ الطفل الذي كلف بتربيته ودخل أمام المذبح وبعد أستئذان الأسقف ناشد مار أفرام الطفل بأسم السيد المسيح أن يقول من هو أبيه فنطق الطفل وأعلن أسم أبيه الحقيقي(أفرام قندلفت) أمام الجميع وأمام دهشه الجميع تنيح الطفل في الحال.

على أية حال،هاجر مار أفرام السرياني في عام ٣٦٥م إلى مدينة الرُّها أو أودسة (Edessa) أو أورفه، التي كانت تحت سيطرة الروم، وتبعد نحو ٢٦٠ كم إلى الغرب من مدينة نصّيبين. ومن الجدير بالذكر أن هذه المدينة كانت مركز رئيسي للمسيحية في وقت مبكّر، وازدهرت فيها الثقافتان السُّريانية واليونانية، كما في نصيبين حيث عرفت تعدّد الأديان والمذاهب.

وفي مدينة الرها عمل مار أفرام في أعمال بسيطة، وكان يقضي بقية وقته في الكرازة للوثنيين وتعليمهم الكتب المقدسة، حيث كان غالبية السكان وثنيين. وكان سبباً في توبه إمرأه حاولت أسقاطه في الخطية، ولكن بكلمات النعمه جعلها تذهب للترهب بأحد الأديره. وكان مار أفرام جادًا في كرازته واستقامة إيمانه ثار عليه بعض رؤساء المدينة والهراطقة واليهود والوثنيين، وصاروا يضربونه حتى اضطر إلى أحد مغاير جبل الرها،التى كانت تقع على تل صخري يعرف الآن باسم(نمرود داج)، حيث عكف على العبادة مع دراسة الكتاب المقدس.ونجح في تحويلها إلى مدرسة وعلّم فيها مادّتي التفسير والتراتيل، في كنف المطران بارسا(361-378م).

وفي ذات الفترة ذاع صيته بكتاباته وفي عهده أُنجزت ترجمة الكتاب المقدّس،بعهديه القديم والجديد إلى السريانية.ونظم الشعر الديني والروحي، أمضى وقتًا في التنسّك، كان يهرب من هذا العالم إلى حياة الخلوة والوحدة والتأمّل، من آن لآخر، ولم يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجفّفة. كان بمثابة الأب والراعي لمئات من النسّاك. وقبيل رحيله عن هذه الفانية ذكر قائلاً: ”لم تكن لأفرام محفظة ولا عصا ولا كيس مطلقا. ولا امتلكت في حياتي شيئًا من الذهب أو الفضّة، لأنّي سمعت الملك السماوي يقول لتلاميذه أن لا يقتنوا شيئًا على الأرض. لذا لم أرغب بشيء بل ازدريت المجد والمال ومِلت إلى العلويات.“وفي قصيدة معروفة وصف أفرام فلسفته الرهبانية، وفيها يتحدّث مع نفسه، التي روّضها على شظف العيش، وورد فيها:

كم مرّة جُعت

وكان جسدي بحاجة إلى الطعام

ولكني امتنعت عن تناوله

لكي استحقّ الطوبى التي سينالها الصائمون

عطش جسدي الذي جُبل من طين

ورغب في الماء ليرتوي

فأهملته ناضبًا لكي يستحقّ التلذّذ بندى النعيم

وإذا كان الجسد دائمًا يكثر مراودتي

فإنّي كنت أروّضه يومًا فيومًا حتّى النهاية

في مساء كلّ يوم أتصوّر أنّي لا أكون في الوجود صباحًا

فأقوم للصلاة والعبادة حتى شروق الشمس وبزوغها

عندما سألني الجسد غفوة

استهويته بالطوبى التي منحها الربّ للإيقاظ

قد صار ذهني مذبحا

وأرادني كاهنا

وكمثل حمل لا عيبَ فيه ضحيت بذاتي قربانا

تحمّلت عذاب الجوع منتصرًا عليه

إذ رأيتك بين اللصّين تذوقُ المرارة لأجلي

اعتبرت ضيق العطش وكأنه لم يكن

إذ رأيت سيّدي بسبب خطيّتي يمتصّ الخلّ

لم أُعر للأطعمة أهميّة

إذ وضعت نُصْب عينيّ وليمة ملكوتك

وقد ذهب مار أفرام السرياني إلى برية شيهيت او الأسقيط بوادي النطرون الشهيره بكثرة نساكها ومعلميها الحاذقين فى العبادة حيث أمضى نحو ثمانى سنوات متتلمذاً لمشاهير الآباء وقتئذ.زار الأسقيط ولازال أثره في دير السريان العامر، حيث توجد الشجره المعروفه بأسمه وعندما ظن الرهبان أنه يحمل عكازه متشبهاً بالشيوخ غرسها بالأرض فأزهرت كعصاه هارون وشجره الطاعه التي للقديس يوحنا القصير. ولازالت خضراء حتي يومنا هذا – كاتب هذه السطور جلس بالقرب منها وبالتحديد في مكتبة الدير القديمة التى تقع فوق القصر سنوات يتأمل في عظمة هذه الشجرة كتاريخ يحكى قصة القديس مار أفرام السرياني- وتعطي ثمر التمر الهندي(رغم أن التمر الهندي ينمو في المناطق الحاره) ويؤخذ زهرها علي سبيل البركه.ويذكر التاريخ أن القديس ما أفرام كان له لقاء مع القديس باسيليوس الكبير أسقف مدينة قيصريه(أسيا الصُغريَ) الذي حاول رسامته أسقف فإعتذر حتي عن رسامته كاهناً أو شماساً.وبعد رجوعه إلي مدينة الرها جاهد ضد الهراطقه وكتب أكثر من 150 نشيداً كان لهم أثر عظيم في إيقاف تيار الهراطقه.

وبعد أن غادر مار أفرام مصرنا الحبيبة إلى مدينة الرها اصيب بوباء الطاعون، وهو يداوي المصابين به، ويعزّي الحزانى أيام المجاعة التي حلّت بأهالي الرها في آخر حياته. وفى 9 يونيو عام(373م) تنيح بسلام بشيخوخه صالحه بالرها بعد أن ترك كثيراً من الميامر والعظات الجميله مما جعل الكنيسه تُلقبه “بقيثاره الروح القدس”، وتعيد له كنيستنا فى 15 أبيب من كل عام

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.