بقلم جورجيت شرقاوي
“تاسوني أنچيل باسيلي” اسم تردد كثيرا في كنائس الإسكندرية، اشتهت أن تحيا حياة البتولية والرهبنة ، لذا تم التدبير الإلهي العجيب بزواجها من القمص الراحل بيشوي كامل ليحيا معا حياة الطهارة و تشاركه رحلته لدرب السماء و خدمته و كرازته المتميزة علي الأرض لتستكمل مسيرة القديس الراحل وحيدة بعد انتقاله للسماء
وقبل عام من نياحتها تفتح قلبها في اخر حوار من داخل خدمتها بكنيسه مارجرجس باسبورتنج
-ببساطة شديدة ما هي الفضائل و الدروس التي تعلمتيها من أبونا فقالت:
فضيلة الاتكال علي الرب بالمعني العملي و راحه النفس بالمفهوم الكلي بدون شيل هم ، كان دائما ينفز حرفيا
“القو همكم عليه” ، و كان دائما يردد لا تقلقو لا تهتمو برغم كل التهديدات التي تعرض لها كان يشعر بسعادة
ولم يتأثر و يصلي اكثر فأكثر، من الممكن ان يفكر الانسان لكن بدون قلق فهي خطيه.
جاءت مرة جارتنا مسرعه و كان يظهر عليها علامات الخوف و سألتها بلهفه “فين ابونا” فقالت” لسه مجاش مالك مشغوله ليه” و لم تخبرها عن سبب سؤالها و جاء ابونا بعد ان شعر
ان هناك احد ينتظره و التقطت أنفاسها بعد ان رأته سليم و علمت منها ان جائها هاتف يخبرها ان ابونا
انشطر اثنين علي محطه شريط سيدي بشر و كانت الاشاعه تنتنشر في كل الانحاء ، فضحك ابونا
واخذ في تهدئتها ثم انصرفت ، فسألت ابونا “اين كنت ” فقال لها ” في خدمه بسيدي بشر
” فردت عليه ” بعيد اوي يا ابونا كفايه لحد ٩ باليل بلاش ١١ ، انشغلت عليك ”
لان بعض قوي الشر تسعي الي قتله ، فرد بقوة ” نستخبي و بلاش خدمه ؟
أرجل مثلي يخاف ، ما هو أقصي شيء يمكنهم فعله ” ، فقلت قتلك ، فقال باسما ” تكرهي ان اكون شهيد ؟
ان اختار لي الرب هذا الأكليل فسأكون طوعا له ، فلماذا ننزعج ؟ ابي يعمل حتي الان و انا ايضا اعمل”
و في موقف اخر صعب ، تعرضنا للسرقة خلال اسبوعا كاملا من الجيران قبل سفرنا لامريكا عام ١٩٦٩
فسرقو بعض المال والاطباق ، و لم يهتم لدرجه انه طلب منها الا تظن السوء و الا تشعر جارتها
انها علمت امرهم و قالها باسما ” رجعي الاطباق زي ما هي ليهم ، عايزاهم يحسو انهم حراميه ؟ ” ،
و من تدابير الله ان السرقة تمت قبل أسبوع من تسليم أمانه بعض الذين تركو مالا
وذهبا في بيت ابونا بعض الوقت و لم يسرق منها شيء ، فأثق به و انفذ كلامه بدون الدخول في جدل
واعيش حياه التسليم كما تعلمتها منه .
و عن الكرازة تقول :
مفيش بيت مدخلهوش ، خلال ٢٠ دقيقه في عمليه مسح شامله للافتقاد ، فذهب الي أسوان وأسيوط وطنطا
والأقصر ، فكان شجاعا ليس جسديا فحسب و لكن لم يهاب انسان بل كان الجميع يهاب منه
ويعمل له الف حساب برغم كونه خجول و سعي للشهادة ، كان يسعي لجذب انفس بالافتقاد الصحيح
اهتم بالفقراء ليس فقط ماديا ، لكنه اول من صلي قداس خصيصا و جعله يوم الاثنين عام ١٩٦٠
و قسمهم كل فصل يحتوي علي ٢٠ و به خادمتين
و كان يقول بأستمرار ” انتو مش عارفين مين دول ..هؤلاء اخوات ملك الملوك” ، اهتم بتغذيتهم وتعليمهم
الالحان و فصول برنامج مدارس الاحد طبقت عليهم ، و عمل اجتماعات أخوة الرب لاول مرة
وغير مسميتهم إلي فصول الفتيات و الفتيان حتي لا يشعرو بأي حزن ، و كرمهم بالاضافه الي زيارة
العائلات التي بها حاله وفاه او ظرف قبل العيد بيوم او برمون مصطحبني معه و بني كنيسه
خصيصا بالحضرة خلال ١١ يوم و الان هي من اكبر الكنائس .
و عن طبيعه التهديدات التي تعرض لها و اسبابها قالت :
تلقي ابونا تهديدات منذ الستينات و حتي السبعينات طول حياته تقريبا ، بالهاتف حتي وصل الامر
انهم ضايقوة بالسيارات احد المرات و تمكن من الافلات ، فكان نشاطه مدوي في ارجاع الفتيات
التي ضلت الطريق وكان يبحث عليهم بنفسه حتي لو تسببت ذلك في مشاكل مع الامن
وكان نشاطه ايضا في بناء الكنائس كبير وعددهم ٧ ، فأفزع الشيطان و جعله هائج ، كان يسهر علي رعيته
ولم يؤثر فيه تهديد واحد ، اول من ادخل الحضانات و بيوت طالبات ، فعندما بدأ خدمته ١٠ يناير ١٩٦٠
بعد رجوعه من الدير بني كنيستي الانبا تكلا و الحضرة عام ١٩٦٩
ثم سافر لامريكا في نوفمبر ١٩٦٩ و صار اول كاهن يكرز هناك وعاد بعد ١٠ شهور
بني كنيسه بلوس انجيلوس بتكليف من البابا كيرلس عام ١٩٧٠ ثم بني اخري بجيرسي
بتكليف من البابا شنودة عام ١٩٧٤ و هي كنيسه مارجرجس و الانبا شنودة بعد استطاعته حل بعض المشاكل هناك.
وكان من ابرز التهديدات ، مجيء اثنين بشكل غريب للبيت يظهر عليهم ملامح الشر حسب ما وصفتم
جارتنا ليسألو عن ابونا و يأخذوة ليحضر جنازة ، فقالت لهم سينزل بعد قليل فأنتظروة
وبعد ما مر امامهم حاولت جارتنا ان تنبهم انه تحرك امامهم و القي السلام و لم يجيبو
وكأنهم تحنطو ! و لم يهتم ابونا بالامر بعد انصرافهم دون عمل شيء .
وتحارب ابونا بحروب الشياطين ايضا ، فقال له الشيطان ” وقت ما تنام انا ساكن لا اعمل شيء
و وقت ما تعمل فأنا صاحي”
و تنهدت قليلا ، و كأنها صارت تسترجع ذكريات السنوات ، و قالت ، اهتم الامن كثيرا بجمع معلومات عنه
ومعرفه سر نشاطه لدرجه ان المحافظ انذاك طلب من التنفيذين الاقتضاء بنشاطه ، فكان قويا في ردودة
ومواقفه فيقول” كيف لي ان افوت حق من حقوق الكنيسه او افرط فيها ، سأحاسب عليها “
وكان وديع مع شعبه جدا .
– كيف كانت جهوده في ارجاع الهارب من حظيرة الخراف و ماذا تقولي لهم رساله الان ؟
حاولنا ارجاعهم بكل قوتنا حتي مرة خاطرت بأبقائي علي فتاتين كانت تعاني من ظروف
وظللت استضيفهم و لم اتنازل عنهم برغم تحذيرات من امكانيه حدوث مشاكل ، كنا نكتفي بالصلاه
قبل اي حديث خاص اثناء القداس ، و كان الله يلهمنا بالحديث
ورسالتي الي كل فتاة تضل هي التركيز علي الابديه “حتعيش كام سنه تقضيها في متع الحياه ؟”
فلا يوجد حب بين طرفين مختلفين في الدين ، فلنا دستور و منهج و طريق ، فأفضل الامور
هو استبدال الحب الزائف بحب المسيح “
و استرد ” يا ترا مين الاولي نمشي وراه الحي و لا الميت ؟”
و كانت شخصيه ابونا ذات كارزما معينه لم يترك اي ضال و الا نجح في ارجاعه حتي بعد نياحته
و كان يسعي جاهدا وراء النفوس مهما حدث ، فكان يتمتع بموهبه “المغناطيس الروحي”
وهو سر ارجاعه اي حاله قابلته .
فذات مرة اثناء الاحتفال بأبونا خارج مصر في عيدة وزعو صورة ابونا في احد الكنائس
فقامت سيدة متزوجه بأخذ صورة و وضعتها بالحافظه الخاصه و كانت علي علاقه خاطئه مع شاب
فجاء ابونا بشوي و طلب منها التخلي عن احد الصورتين و تمزيق احدهما ، اما صورة ابونا او الشاب
فأختارت ابونا بالفعل ، و اعترفت و عاشت في توبه طوال حياتها.
– لماذا قلت الشهادة للمسيح من وجهه نظرك؟
لان الكل انشغل بالعالم عن محبه الله ، كان ابونا ينتظم في عمل اجتماعات خصيصا للقساوسة ويقول ان اكليل المحبه اعظم من اكليل الشهادة نفسها ، لان المحبه تحافظ علي كيان الكنيسة
-ما رأيك في كتب ابونا تادروس يعقوب و كتب ابونا بشوي؟
كتب أبونا بشوي كامل من داخل حياته و داخل الكنيسه المعاشه ، و كتب ابونا تادروس تعتمد علي التجميع ، و يعجبني ايضا كتب ابونا لوقا ، و جميعها يكمل الاخر
-لو عاد ابونا للحياه مرة اخري ؟ ما هي اكثر شيء يحزنه لو متواجد الان ؟
الاختلاط في الخدمه ، حتي في امريكا رفض الامر و قال للخدام ، طبيعه البشر ضعيفه
والغرض من الكنيسه هو مكان للتوبه و ليس للتعارف ،فكان يجعل اجتماع الشباب و الشبات
كلا علي حدا ، فكثرت الاعداد و حتي بعض الاخوة البروتستانت يحضرون اجتمعاته
فكان موهوب روحيا و لديه نعمه مقتنيا فضيله الاتضاع بعيدا عن الشهرة ، حتي في مذكراته
كان يكتب انه كسول و اقل الخدام رغم كل ما فعل كان بسيطا .
-كيف اقنعتو بعضكم البعض ان تعيشو ببتوليه تحت سقف بيت واحد ؟
لانه كان تدبير الله و ليس شطارة جسديه
عن علاقته و محبته بالبابا شنودة و البابا كيرلس السادس قالت :
كان ابونا بشوي تلميذا للبابا كيرلس السادس و ظل خاضع له و تعلم منه ، فأطاعه جيدا ، حتي طلب منه عمل قداسات مخصوصه للصيام الكبير ، و عندما سأله كيف اوفق بين القداسات و الخدمه ، فقال له بوضع المشاكل علي المذبح ، و بالفعل وضع اسم زوجين بينهم مشاكل و لم يستطيع اصلاحها الا بعد الصلاه في القداس ، ووضع اسمهم فأنحلت المشكله .
تاسونى انجيل شقيقة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى تاسونى انجيل شقيقة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى
-هل من الممكن ان يطلق علي ابونا شهيد المرض ؟
نفت ما تردد عن طلبه لمرض السرطان، قائلة: «لم يطلب المرض تمامًا ،أوعى تطلب صليب لنفسك
ما تقدرش تشيله، و في نفس الوقت لم يطلب الشفاء منه، حتى أنه ذات يوم من قسوة الألم كان تعبان جدًا فسألته«أنا قلبى أتقطع، وقولتله يا أبونا أنا عمرى ما سمعتك بتطلب من الشفا، مع إنك لو طلبت من الله سيشفيك
فرد مسرعًا “كيف أطلب من الله يشفينى؟”، فقولتله هى خطية ولا إيه.. ما أنت بتصلى فى الكنيسة للتعبانين، فرد وقالى “طبعًا أطلب من أجلهم لكن أنا نفسى تحت أمر الله طوعا له، فكان يستحيل أن يطلب المرض أو الشفاء، أبونا بيشوى عاش حياه التسليم بطريقه عمليه و رمي كل حمله على ربنا ، فصار انجيل معاش
قبل ما يتنيح ، جاء اليه رجل طلب منه ان يذهب معه الي دمنهور ليصلي في غرفه المريض ، فوافق ابونا علي الفور و ذهب معه و اثناء الصلاه رأي زميله بالغرفه كان مريضا بالسرطان في المخ و هو غير مسيحي
هاله من نور فوق رأس ابونا ، فقال في نفسه لن افوت الفرصه فحاول الاقتراب بطريقه لا يشعر ابونا بها و وضع رأسه تحت يد ابونا و لكنه لم يلاحظه و بالفعل تم شفائه و اتضح ذلك من التحاليل بعدها فذهب ليشكر ابونا وقص عليه المعجزة .
هل تريه في المنام ؟ و يتحدث معي في الحقيقه ؟
صمتت تاسوني انجيل لحظات ، و اجابت : ابونا يأتي بالفعل كأنه مازال حي و لدرجه انها لم تتذكر انه في الشتاء و هي مازلت علي الارض .
كان الحلم المختلف ، اني حلمت بمكان شاسع مثل تل فسألت من حولها ما هذا فقالو ان هناك كل الالهه ، فهربت اذ ظننت انه المسيخ الدجال ، ووجدت فيلا عملاقه فدخلت و لفت نظري جلوس ابونا في ابهي صورة أول الصفوف فسألته ما الذي رأيت خارجا ، فقال لي “هذا رساله بولس الرسول الي تسالونيكي” ، فأستقيظت و قرأت الكتاب المقدس فوجدت ما حلمت به في الاصحاح الثاني ايه ٢ “المدعو فوق كل الالهه” .
و حلم اخر ، سألها فيه ، ” كنت عارف اني حأتنيح من امته ؟ ” ، فقالت ” انا زعلانه و حدور في التسجيلات” ، فأدركت انه طلب مني قبل نياحته ان احضر ملابسه الكهنوتيه من الكنيسه للبيت ، فأستعجبت” ليه احنا مش بنصلي قداس في البيت” فقال لها ” يمكن الفراش ينشغل”
فلما سلم روحه علي ذراعي شعرت به مبتهجا و طلبت من الذين يصرخون الخروج خارج الغرفه وقولت بدون ما اشعر ” سيبو ابونا لا تزعجوة” و قررت ان ارتدي ابيض لان الملائكه تسبح كيف لي ان ارتدي اسود ، وعندما طلبو مني ملابسه قولت لهم هو جاهز بالبيت ، و اختتمت” لم اشعر بفرح و لا بحزن ، مرتين يوم الاكليل و التنحي
يأتي رحيل تاسوني أنجيل زوجة المتنيح القمص بيشوي كامل كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس بسبورتنج، التي رقدت مساء الاثنين في الذكرى الـ ٦٠ لزفافها إلى سامي كامل (المتنيح القمص بيشوي كامل) وكأنها تزف إلى السماء في ذكرى زفافها الأرضي.