د.ماجد عزت إسرائيل
حرب 6 أكتوبر 1973م ستبقى فى الذاكرة التاريخية الوطنية،حيث أصبحت جزء من تاريخينا عبر التاريخ، وقصة حقيقية لابد لنا أن نقصها على أولادنا وأحفادنا مثل كفاح شعب طيبة ضد الهكـسوس،فكان لاختراع العجلات الحربية ورفع الحـالة المعنوية للجيش
بقــيادة “أحمس” دور فى تحقيق النصر تحت شعار “أكون أو لا أكون”،وهكذا تخلصت البلاد من رعـاة الهكسوس، وعادت مصر لأبـنائها،هكذا كان مشهد عبور قناة السويس وتحـطيم خط بارليف، لتحقيق الحلم وهو إعادة سيناء والعزة والكرامة إلى مصرنا الحبيبة،واليوم نحتفل بالذكرى السادسة والأربعون لحرب أكتوبر 1973م،حيث تؤكدً قواتنا المسلحة على إصرارها فى اقتلاع جذور الإرهاب والتطرف وتهيئة المناخ الملائم للاستثمار والتنمية الشاملة بسيناء تحت شعار الـدم والتراب غالى.
منذ أن تم إعلان قيام دولة إسرائيل فى(14 مايو1948م) على الأراضى الفلسطينية، وبدأ الصراع المصرى الأسرائيلى،وبما أن مصر تعتبر قلب العرب والعروبة، فكان عليها الدفاع عن التراب الفلسطينى فأمر الملك “فاروق الأول” (1936-1952م) بارسال قواتنا المسلحة لمحاربة إسرائيل فى الحرب التى عرفت بـ(حرب 1948م) ،وبعد الهزيمة علل البعض أن السبب الرئيسى صفقــة الأسلحة الفسادة والخيانة، وبعد نجاح ثورة(23 يوليو 1952م)،لم تجد أنجلترا أمل لبقـائها فى مصر إلا بالقضاء على الجيش المصرى،فشكلت تكتل ثلاثى يتكون من إسرائيل وفرنسا وأنجلترا
فيما عرف بـ “العدوان الثلاثى” على مصر عام 1956م، وهـو الذى تجلت فيه مدينة بورسعيد الباسلة فى تحقيق الكـفاح والصمود من أجل الأرض فى مشهد يعرف بـ ” يـوم النصر” وهو العيد القومى للمدنية 23 ديسمبر من كل عام، وفى 5 يونيو 1967م شنت إسرائيل حرباً ضد مصر؛ لدفعها عن فلسطين والعالم العربى،وتلقت مصر هزيمة مهينة يصاحبها الذل والعار وهى الحرب التى عرفت بـ “حرب النكسة”.
وبعد هذه الحرب الأخيرة توسعت إسرائيل فى عمليات تسليح جيشها بالمعدات الحديثة،واتخذت من سيناء التى استولت عليها مكان لتدريب جيشها،بل انتشرت معسكرات الجيش الإسرائيلى على حافة الضفة الشرقية لقناة السويس، وبدأ ما يعرف بحرب الأستنــزاف ما بين (1969-1970م) وهى التى حقتت فيها مصر الكثير من النصر بضرب ميناء إيلات وتحطيم السفينة بيت شيفــع، وناقلة الجنود بات يام،والرصيف الحربي لميناء إيلات، وشدوان.
ومن الجدير بالذكر أن قواتنا المسلحة المصرية حققت تفوقاً عسكرياً في معركة” شدوان” في 21 – 22 يناير 1970م.
وشدوان هي عبارة عن جزيرة صخرية منعزلة مساحتها تقريبا61 كيلو متر وتقع بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، ويصل عرضها بين 16 -35 كيلو مترا وعليها فنار لإرشاد السفن التى تمر عبر البحر الأحمر وتبعد عن مدينة الغردقة نحو 35 كيلو متر وعن مدينة السويس نحو 325 كيلو متر.
وشدوان ليست مجرد جزيرة صخرية منعزلة،لكنها اسم لمعركة ملحمية أضافت فيها قواتنا المسلحة نصرا جديد في سجل البطولات الخالدة للجيش المصري عبر تاريخه.في أثناء معارك حرب الاستنزاف التى كانت تدور بين القوات الإسرائيلية وقواتنا المسلحة، في عدة مواقع على طول الجبهة، هاجم الإسرائيليون جزيرة شدوان فجر الخميس الموافق 22 يناير عام 1970،
وشهدت الجزيرة ملحمة شعبية، تقاسم فيها أبناء محافظة البحر الأحمر مع جنود القوات المسلحة الصمود أمام قوات الاحتلال. حيث قامت القوات الإسرائيلية بهجوم ضخم على الجزيرة جوا وبحرا، كذلك هاجموا مساكن المدنيين الذين يقومون بإدارة هذا الفنار. وكان هناك مجموعة صغيرة من رجال الصاعقة المصرية البحرية -الكتيبة 93- والبرية لحراسة الفنار الذي يقع جنوب الجزيرة
ورغم اعتراض الطائرات الإسرائيلية جوا وقواربها بحرا، إلا أن أبناء المحافظة لم يتخلوا عن قواتهم وقاموا بتوصيل الذخائر والمؤن والأسلحة في مراكب الصيد من شاطئ الغردقة إلى جزيرة شدوان. واستمر القتال بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وأفراد الصاعقة المصرية الذين خاضوا المعركة ببسالة وأحدثوا خسائر جسيمة بقوات العدو، كما تمكنت وحدات الدفاع الجوي المصري من إسقاط طائرتين للعدو، من طرازي “ميراج” و”سكاي هوك” في 22 يناير عام 1970،بعدها اضطرت القوات الإسرائيلية التى تقدر بكتيبة كاملة من المظليين، للانسحاب من الأجزاء التي احتلتها من الجزيرة، وفي اليوم التالي للقتال والموافق الجمعة 23 يناير، قصفت القوات الجوية المصرية المواقع التي تمكن العدو من الوصول إليها في جزيرة شدوان، في الوقت الذي قامت فيه قواتنا البحرية بأعمال تعزيز القوة المصرية على الجزيرة، وهو ما أدى لانسحاب القوات الإسرائيلية من الجزيرة.ومن الجدير بالذكر أن الفريق “سعد الدين الشاذلي” رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر كان قائد القوات المصرية في قطاع منطقة البحر الأحمر آنذاك، وكان الشاذلي قد وضع خطة لمقاومة تسللات القوات الإسرائيلية في مناطق البحر الأحمر.ولقيمة انتصار قواتنا في شدوان اتخذت محافظة البحلر الأحمر من 22 يناير من كل عام عيداً قوميا لها.
وهنا قامت إسرائيل بالرد على الانتصارات التى حققتها قواتنا المصرية، ففى(8 إبـريل 1970م) بضرب مدرسة بحر الـبقر الأبتدائية بقرية بحر البقر مركز الحسينية محافظة الشرقية،بطائرات من طراز الفانتوم،فادى ذلك لمقتل أكثر من 30 طفل من سن 6-12 سنة، وإصابة أكثر من 50 طفلاً، وهى التى عرفت أعلاميا باسم”مجزرة بحر البقر”لدرجة وصلت إلى أن المدرسة تحولت لبركة من الدماء.
على أية حال،أصبح ما بين مصر وإسرائيل ثار عبارة عن “تراب سيناء ودم جنود جيشنا الباسل فى 1967م ودم أطفال بحر البقر “،ولذلك سعى الزعيم “جمال عبد الناصر”(1956-1970م) من أجل تسليح وتحديث الأدوات الحربية وسلاح الطيران ،ولكن وفاته المنية فى 28 سبتمبر 1970م ورحل عن عالمنا الفانى،وواصل الرئيس الراحل “أنور السادات” (1970-1981م) رغم تردي الأوضاع الاقتصادية بالنهوض بالجيش وتزويده بالاسلحة والذخائر،ورفع الروح المعنوية للجنود تحت شعار ” الدم والتراب غالى” وهذا ما حققته ملحمة العبور فى 6 أكتوبر 1973م حيث قاموا بتحطيم خط بارليف المنيع الذي لا يقهر كما كانت تزعم إسرائيـل من قبل وذلك، بفضل بسالة وجهود سلاح المهندسين المصريين، الذين فكروا ودبروا من أجل القـضاء علي الساتر الرملى لخط بارليف باستخدام خراطيم المياه،ومع لحظة العبور العظيم صاح الجـنود “الله أكبر الله أكبر” وفى ذهن كل منهم عودة سيناء لمصر، والكرامـة والعزة للشعب والجندى المصرى،وهـذا ما تحقق فى ملحمة العبور 1973م.