أثناء جلوسنا حول مائدة الطعام سمعنا صراخاً آتيا من منازل حولنا وعرفنا ان هناك شيئا ما حدث فتركنا جميعا حجرة الطعام والتففنا حول جهاز الراديو وسمعنا البيان رقم سبعة للقوات المسلحة
والذي أعيد عدة مرات بصوت الراحل حلمي البلك فكانت فرحة ليس لها مثيل : “نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقي للقناة”
هكذا كانت الكلمات التي سرت في داخلنا ولم ندرك أنفسنا الا ونحن نتهلل و نحتضن بعضنا البعض.
ما يؤلمني جدا ما يتردد بين البعض الناس من التقليل من انتصار الجيش المصري
لذا سأكتب باختصار بعض من ملحمة النصر وعلينا في البداية أن نعطي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر
الفضل في إعادة بناء القوات المسلحة وإنشاءه سلاح الدفاع الجوي بقيادة البارع محمد على فهمى
والذى كان اول قائد للدفاع الجوي في الجيش المصري وتسبب هذا السلاح
فيما بعد في سقوط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية في حرب ٧٣
كانت إسرائيل قد قضت السنوات الست التي تلت حرب 1967 في تحصين مراكزها في الجولان وسيناء
وأنفقت مبالغ هائلة لدعم سلسلة من التحصينات على مواقعها في مناطق مرتفعات الجولان (خط آلون)
وفي قناة السويس (خط بارليف) نجحت مصر في اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة
بينما دمرت القوات السورية التحصينات الكبيرة التي أقامتها إسرائيل في هضبة الجولان،
وحقق الجيش السوري تقدمًا كبيرًا في الأيام الأولى للقتال واحتل قمة جبل الشيخ
مما أربك الجيش الإسرائيلي استردت مصر السيادة الكاملة على قناة السويس
وأدت الحرب أيضا إلى عودة الملاحة فيها في يونيو 1975م.
واستردت سورية جزء من مرتفعات الجولان بما فيها مدينة القنيطرة.
قامت القوات المصرية بمنع القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم بخطة مدهشة، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في سيناء المصرية والجولان السوري
كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، وجزء من مناطق مرتفعات الجولان
ومدينة القنيطرة في سورية.
أما أحد مفاتيح النصر فقد كان في يد القوات الجوية بقيادة اللواء حسني مبارك قائد السلاح
الذي أنهى المعركة في عشرين دقيقة مستخدماً 200 طائرة عبرت قناة السويس على ارتفاع منخفض للغاية.
وقد دمرت طائراته جميع مطارات العدو في سيناء كما استهدفت محطات التشويش والإعاقة
وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول
ومخازن الذخيرة وحققت كل أهدافها بنسبة ٩٥٪ مما اذهل العسكرية في العالم
حتى الآن وان تعلم ان خسائر القوات الجوية في حرب ٧٣ بعد الضربة الأولى كانت خمس طائرات فقط.
لذا أتعجب من تجاهل الرئيس مبارك في احتفالات ٦ أكتوبر.
السبت ٦ أكتوبر لا نستطيع أن ننسى المهندس القبطي العبقري لواء مهندس أركان حرب باقي زكى يوسف ياقوت رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني صاحب الفكرة العبقرية بتجريف رملة خط بارليف
عن طريق مضخات تسحب المياه من القناة وكانت فكرته هي مفتاح آخر من مفاتيح نصر اكتوبر و من غيرها كان صعب اقتحام خط بارليف.
باقى زكى تقابل مع جمال عبد الناصر في سبتمبر 1969 و شرح له الفكرة التي أبهرته.
الأحد ٧ أكتوبر لا نستطيع أن ننسى بطل آخر وهو اللواء القبطي فؤاد عزيز غالي قائد للفرقة 18 مشاة التي كلفت باقتحام قناة السويس في منطقة القنطرة وتدمير القوات الإسرائيلية وأسلحتها في النقاط الحصينة
وعلي الأجناب وتحرير مدينة القنطرة شرق والاستيلاء علي كوبري بعمق 9 كيلو متر وقد نفذ كل هذا ببراعة وحرر كل النقاط حتى القنطرة شرق وقد تم تعينه قائداً للجيش الثاني الميداني ثم محافظاً لجنوب سيناء.
الثلاثاء 9 أكتوبر أجتمع السفير الإسرائيلي في واشنطن مع وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر في البيت الأبيض ليطلعه عن تفاصيل الحرب وتحديد احتياجات إسرائيل من الأسلحة الأمريكية
وقد أطلع كيسنجر خلال اللقاء عن خسائر إسرائيل التي بلغت 500 دبابة منها 400 على الجبهة المصرية أضافة إلى خسارة 49 طائرة على الجبهتين المصرية والسورية.
السبت ١٣ أكتوبر أظهرت طائرة استطلاع أمريكية من نوع ( SR-71-A ) الشديدة التطور فوق منطقة القتال وقامت بتصوير الجبهة بالكامل ولم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب سرعتها التي بلغت ثلاث مرات سرعة الصوت وارتفاعها الشاهق اكتشفت تلك الطائرة وجود ثغرة غير محمية بعرض ( 25 ) كيلو بين الجيش الثالث الميداني في السويس والجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية.
الأثنين ١٥ أكتوبر تمكنت قوة إسرائيلية من اجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية تسببت في ثغرة في صفوف القوات المصرية عرفت باسم “ثغرة الدفرسوار” إلا ان العدو الإسرائيلي لم ينجح في الاستلاء على أي موقع
تصدت لهم قوات الصاعقة المصرية وأعطت لهم درساً قويا في مدينة الإسماعيلية وحين إتسعت الثغرة وحوصر الجيش الثالث وحاولت إسرائيل دخول مدينة السويس فأن المقاومة الشعبية مع قوات صاعقة الجيش الثالث تمكنوا من صد هجماتهم وطردهم .
٢٢ أكتوبر تدخلت الولايات المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم ٣٣٨ الذي يقضي بوقف اطلاق النار وقبلت مصر بالقرار ونفذته اعتبارا من مساء نفس اليوم إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار
فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا آخر يوم ٢٣ أكتوبر إلى أن توقعت اتفاقية فك الاشتباك في ٣١مايو ١٩٧٤ حيث وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
هذه سطور قليلة نقدمها لشبابنا عن الملحمة المصرية العظيمة التي سطرها المصريون بدمائهم وأرواحهم مستلهمين من هذا النصر العظيم مسيرة تحدياتنا في مواجهة صعاب الحياة مستدعين دائما البيان السابع لقواتنا المسلحة بيان العبور من اليأس إلى الأمل.