السبت , نوفمبر 2 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

طلعت فهمى !!!

مدحت موريس

دخلت المنزل مسرعة واتجهت نحو المطبخ فالقت نظرة سريعة فاحصة على اصناف الطعام التى كانت قد اعدتها قبل ذهابها لتصفيف شعرها، شعرت بالارتياح وهى ترى الوان اطعمتها المتعددة وقد احتوتها اطباق السرفيس – التى قلما تستخدمها – تبدو وكأنها لوحات فنية رسمتها ريشة فنان مبدع فضلاً عن طعمها الشهى الذى تثق فى انه امر مسلم به باعتبارها ربة منزل ماهرة متمكنة من عملها.

ذهبت وفتحت دولاب ملابسها اخذتها الحيرة قليلاً قبل ان تختار ما يناسب لترتديه فى تلك العزومة التى لم تجد مبرراً لها….

لكنها لا تريد ان ترفض طلباً لزوجها العزيز الذى دعا زميل العمل وزوجته ليتناولا العشاء معهما…لم تبد ارتياحاً ولا مناسبة لهذه العزومة ولم تقتنع بمبرر زوجها بأنها بمثابة رد جميل صنعه زميله بأن احضر بعض الادوية لوالدة زوجها معه من الخارج، كان من الممكن رد الجميل بصورة اخرى لا بدعوته هو وزوجته للعشاء فى

المنزل..وحاولت ان تشرح لزوجها انها مصاريف لا داعى لها فضلاً عن ارهاقها طوال النهار فى المطبخ وهو ما تكرهه…لكن الفلاح الساكن داخل زوجها صمم على موقفه…خاصة بعدما رفض طلعت فهمى – زميله – تقاضى ثمن الدواء.

توقفت فجأة عن استعراض حوارها مع زوجها وتبلور اسم طلعت فهمى امام عينيها ثم سرعان ما شعرت باصبع يقلب فى ملفات ذاكرتها ليصبح اسم طلعت فهمى اكثر وضوحاً ويتجسد امامها بوجه بائس وجسد نحيل…..”يا لدورة الزمان بعد ثلاثين عاماً” قالتها وكأنها تهمس لنفسها

وهى تدرك ان الفترة التى تتحدث عنها قد جاوزت الثلاثين عاماً .الايام الاخيرة قبل امتحانات السنة النهائية بكلية التجارة…طلعت فهمى الطالب المجتهد المهذب يقترب منها ويريد ان يتحدث معها على انفراد

لاحظت قبل ذلك بفترة وكذلك كل صديقاتها نظرات طلعت نحوها وسرحانه الدائم وهو ينظر اليها…اجمع الاصدقاء على اعجابه بل هيامه بها اما هى فلم تعط الامر اهتماماً…لكنه فى ذلك اليوم كان قد قرر ان يفاتحها فى الموضوع المهم ويبوح لها بالسر الخطير الذى يعلمه الجميع!!!!

وقد كان ودون مواربة قال لها ” بعد الامتحانات عايز ازوركم فى البيت” كان بسذاجته يعتقد انه يلمح لها بما فى صدره…ردت عليه وقتها بمكر الفتاة المغلف بالبراءة…ليه؟

فقال لها وهو ينظر للارض “عايز اخطبك” وعلى الرغم من معرفتها المسبقة برغبته الا انها تصنعت الدهشة من هول المفاجأة لتمنحه قدراً من القوة النفسية الكفيلة بأن يرفع رأسه وينظر اليها منتظراً ردها الذى جاء خارج توقعاته ولكن داخل توقعاتها وتوقعات الاصدقاء …وكان من نصيبه وقتها ان يسمع منها الجمل الانشائية النابعة من العقل بانه شاب ممتاز تتمناه كل الفتيات لكنها تشعر انه بمثابة الاخ الذى تحترمه.

اختفى تماماً من وقتها حتى انها لم تره ايام الامتحانات النهائية…ومن وقتها لم تسمع حتى عنه الى ان دعاه زوجها على العشاء!!! وتعددت تساؤلاتها بعد ذلك…الديه ابناء؟ هل شاب شعره؟

هل وهل ولكن يبقى السؤال الاهم هل يعلم انها زوجة زميله فى العمل؟

بالتأكيد لا يعرف….ترى كم سيكون وقع المفاجأة عليه؟ودون ان تدرى ابدلت فستانها الذى نوت ان ترتديه وابدلته بآخر اكثر شياكة وهى تسأل من جديد عن شكل زوجته ومدى اناقتها.

فى الموعد المحدد دق جرس الباب ومن خلف الستار رأت زوجها يفتح الباب ويصافح يد امرأة فمالت قليلاً لترى وجهها واتسعت ابتسامتها عندما تأكدت ان نصيبها من الجمال لم يتعد نصيبها وان اناقتها لا تقارن بها

والخلاصة انها تليق به وهو ايضاً يليق بها وتعجبت كيف ظن هذا الرجل فى يوم من الايام انها سترضى به زوجاً !!!….ثم ارتفع صوت زوجها مرحباً بزميله العزيز الذى اصاب الصلع رأسه بينما اطلت بعض الخصلات بيضاء تحاول مداراة ولو جزء من الارض العارية…

مازال على نحافته وان تغير وجهه قليلاً بعدما ان اضاف لوجهه شارباً غمرته الشعيرات البيضاء.

ما ان استوى الضيفان على مقعديهما حتى خرجت هى مرحبة بهما فى حركة مسرحية استعراضية فهبا واقفين ولم يبد على الضيف اى رد فعل يدل على انه تعرف عليها…وكان لا بد ان توجه اهتمامها لزوجة الضيف كما هو معتاد فى مثل هذه المواقف…وبعد التعارف والتعرف على عدد الابناء واين يدرسون …قاطعها الزوج داعياً الجميع للانتقال لغرفة الطعام فاوقفت حماسها مؤقتاً لاجترار الماضى

وشاركت زوجها الدعوة….وكما هو متوقع اثنى الزوجان كثيراً على ما صنعت يداها وقد خجلت قليلاً عندما زاد اطراء الضيف والقول بانه يأكل فى مطعم خمس نجوم …وقد تأكدت تماماً ان زوجته ليس لها فى شئون المطبخ.

فى غرفة المعيشة مرة اخرى اجتهدت ان تحول دفة الحديث للماضى وكيف انه افضل من الحاضر بكثير وعقدت مقارنة بين الجامعات فى الماضى وبين ما تسمعه من ابنائها عن نفس الجامعات فى الوقت الحاضر، وهنا قال الزوج ” نسيت اقول لكم انها خريجة كلية التجارة” فاضافت وهى تنظر الى الاستاذ طلعت وكأنها تذكره ” جامعة القاهره” نظر اليها طلعت بابتسامة خافتة وردد وهو يهز رأسه “عظيم…عظيم” .

كان هذا هو اقصى اقتراب من هذه المنطقة ولم يكن منطقياً معاودة الحديث فى هذا الاتجاه مرة اخرى…لكنها حسدته على قدرته فى الا يظهر اى معرفة سابقة، وبالتأكيد هو محق فى ذلك فربما يتسبب فى احراجه او احراج زوجته او احراجهما معاً على الرغم من انها لم تكن ستتكلم عن رغبته فى خطبتها فهذا امر مفروغ منه.

غادر الضيفان المنزل بعد شكر عميق على حسن الضيافة…ثم نالت شكر آخر من زوجها لحسن استقبالها لضيفه…..لكنها شعرت بالضيق واخبرت زوجها صراحة ان زميله شخص كريه، اندهش الزوج وسألها ان كان قد بدر منه شىء ضايقها…

لا اعرف لكنه شخص غير مريح بالمرة قالتها والغيظ يملؤها وهى تشعر ان الرجل تجاهلها وتجاهل معرفتها وقد كانت الطالبة الاكثر شهرة وجمالاً فى الجامعة….نظرت الى زوجها قائلة ” هل تعلم انه كان زميلى فى الجامعة، وانه اتقدم لى وانا رفضت؟” قالتها وهى تشعر انها تفضح ذلك الشخص الذى تجرأ وتجاهل معرفتها…لكن رد فعل زوجها كان مستفزاً الى حد كبير فقد استغرق فى الضحك دون مبرر وهو يشير اليها ويتحدث ضاحكاً فتخرج كلماته غير مفهومة…..

صرخت فى وجهه بان ما يفعله يخرج عن نطاق الاحترام….اما الزوج فقال لها وهو يقاوم ضحكاته بصفتى مدير شئون العاملين بالشركة فانى احتفظ بملف الاستاذ طلعت فهمى والذى تقول اوراقه بانه درس وتخرج من جامعة بوخارست حيث كان بصحبة والده الذى يعمل بقنصلية مصر فى رومانيا.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

علام تتنازعون

علام تتنازعون.. تجتمعون كل نهار متفقين على تمزيق الجسد الحي وبالكبرياء تقترعون على هدر الدم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.