الثلاثاء , نوفمبر 12 2024

كأس كونياك ..( مناجاة نصف الليل ..)..

بقلم الكاتبة والأديبة / ماجدة سيدهم

وحين كانت أجراس الكتدرائية تدق بالأغاني كان يجلس على المقهى المقابل مثل كل مساء يحتسي بعضا من النبيذ الأبيض..

تصنع ضحكاته بين المارة نهرا من الهذيان الناصع والمثير للإنتباه حتى أفرغ كأسا آخر من الكونياك .

منتشيا بدوي الإحتفال والزحام والضوء ..انها ليلة الميلاد ..

هو لا يعرف أحدا على وجه التحديد بينما بالرقص راح يصافح كل المارة .

.يؤكد لهم أن تهليل هذه الأجرس هو لميلاد متجدد كل يوم وللخلاص كل الحين .. ثم يدعوهم لمشاركته الإيقاع بكل ابتهاج ..

هكذا أعتاده المارة كل يوم .. .فهو عاشق الخمر والملكوت ..تحت قبعة الليل يفك أزرار الروح بينما تضج فيه خلايا البهجة بالوفرة فيخترع للمزامير الحانا ماجنة ويصيح :

« ايها الإله صديقي ..أخرج من قبوك القاتل ..أنا هنا .. تحت خمرات المطر انتظرك …يا إلهي هذا المساء مثير جدا للابتكار والعناق والمسامرة.. نبي البارات أنا لذا أدعوك إلى طاولتي وكأس من الكونياك الجيد يثير سعادتك .. ادعوك للرقص على ايقاع هؤلاء الطيبين .. ادعوك للمسامرة معي بعض الوقت فلدي ما أحكيه لك من أسرار وفكاهات مدهشة ..

هيا الآن ودع عنك عزلة أطراف المدن واترك برودة القباب وخرس الجدران وادخل معي إلى عمق الأرصفة العارية والمغبوطة بالسكارى والتعابي والعاهرات والمنبوذين واللصوص والشعراء والثائرين ..

إلى عوالمنا المخلصة ..إلى صديقي الذي خذله الوطن فأتقن التشرد ..إلى عشيقتي الناسكة والمتسكعة بين فمي ودمي ..إلى القطارات المثقلة بأحلام تغادر مقاعدها قبل الوصول .. إلى أطفال صارت بقايا اعضاءهم طعاما للذئاب ..وآخرين شاكرين القدور الفارغة ..

مرحبا بك معنا حيث الزحام و المحلات المليئة بالملابس الغالية والعطور الثمينة والجوارب النسائية .. قبلات الصبية المتعثرة . رجال يتطلعون إلى الأفضل ثم يعبرون بالإنكسار ..وآخرون يقاومون الشرور بالموسيقا والعناق ويعتكفون عمرا لاكتشاف العقاقير المبهرة لحتى تخف آلام المطروحين عبر الشتات ..إلى نساء هدهم البرد وأخريات يكافحن من أجل حق الاختيار ..

هيا معي ياإلهي إلى حقول لازلت تنبت الخبز رغم الدماء..إلى شعراء شقوا ثيابهم بالكلمة المترجمة لفعل الحب والغضب فصاروا مصلوبين ..إلى حقوق مشروعة لكنها تشبه الجياد الملجمة ..

سأحكي لك عن حكام ما ذاقوا مرة طعم الخمر او الموسيقا فراحوا بثيابنا يمسحون النعال وعلى ظهورنا يكتبون الانحناء .. سأطلعك على العقائد الباطلة والتي تفتخر بخداعنا فتخيل الطموحات إلى كبرياء آيل للسقوط ..

إلى لصوص اذلهم العوز والانتقام ..إلى غانيات أجادو ترنيمات الخلاص بدمعات منسحقة تحت قروش تجار السلاح وبيع الأوطان ..إلى الناشدين السلام على طاولات المقامرة

..يا يسوع يا صديقي ..اضحك.. اضحك بصوت عال مثلي ..فأنا على كتفك وتر مجذو ب فأعزف بي اجمل الألحان .. أنا الصغير والذنديق والحقير و الماجن والأخير على كل ارصفة التسكع والانتظار ..”

وفيما كان الجمع يرقبه بإعجاب راحوا يبادلونه الرقص العارم بالبهجة ..بينما على ذات الطاولة صفق الله منبهرا محتسيا كأس كونياك آخر في انتشاء عميق ..!

شاهد أيضاً

نعم للتنوير

بقلم مينا عماد من المحتمل ان نشهد في الأيام القادمة توسع ، وتغيير لكثير من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.