بقلم بيشوي عوض
بينما نلهو كل فى إشكالاته الشخصية و المحلية، تحترق غابات الأمازون الواقعة فى أمريكا الجنوبية منذ أسبوعين دون توقف، وهى ليست المرة الأولى هذا العام،
ولكن هذه المرة الحرائق ضارمة و تسببت فى إضرار كبير لواحدة من أكبر المساحات الخضراء على وجه الأرض، حيث تعد مساحتها عشرة أضعاف مساحة مصر، و بعض البيولوجيون يعتبرونها رئة الأرض بما أنها تنتج نسبة مهمة من الأكسجين الأجمالى بجانب ما تنتجه المحيطات، معتبرين إياها صماما للأمان فى مشكلة الاحتباس الحرارى لأنها تمتص جزء كبيرا من ثانى أكسيد الكربون المنبعث فى الجو،
فريق أخر من البيولوجيون لا يعطون اهتماما لما تنتجه من أكسجين، ولكن يلفتون الإنتباه إلى أن هذه الغابات تعد كالبيت الضخم المأهول بعدد كبير من الحشرات و الطيور و الحيوانات و القبائل المختلفة، و تمثل بذلك مركزا كبيرا للتنوع البيولوجى، و أن إلحاق كل هذه الأضرار بها يسبب إضرارا للتوازن البيولوجى على الأرض الكريمة.
على أية حال، الصور التى تعرض على القنوات الإخبارية و فى صفحات الجرائد تسبب لنا ألما كبيرا لأننا نعى أهمية هذه البقعة الخضراء وأنها تتحول إلى رماد، و ندرك أنه من تسبب فى هذه الأضرار الجسيمة هو مخلوق واحد بين مخلوقات الله على الأرض، الإنسان.
الإنسان الذى علمنا بالخطأ طوال الوقت أنه المخلوق الأذكى على الأرض، فجميع ما خلق الله من موجودات حية تتمتع بالذكاء و لكن لا تستخدمه للدمار مثلما يفعل الإنسان،
فإن قرأنا القليل عن الطيور أو الحيوانات، نعرف أن منها من يتأقلم مع البيئة المحيطة و منها من يرتحل، ولكن لا يمسون الطبيعة الكريمة بأذى،
أما الإنسان فيهدم و يحرق و يخرب و يلوث و يعبث على قدر ما استطاع بالطبيعة الكريمة، غير مكترثا، ظنا منه أن هذه الأمور ستمر مرور الكرام دون أن يلحقه أذى، ولكنه أخطأ و يخطئ و ماض فى طريق مسدود.
ويستمر أصحاب القرارات بالعبث فى حياتنا و حياة كوكبنا، كطفل تحذره من العبث بلعبته الجميلة لئلا تنكسر، فتجده يطرحها أرضا فيدمرها، و تجده بعدها حزينا يبحث فى الحلول لإصلاح ما كسر،
غابات الأمازون و ما تحتويه من حياة و كائنات حية ليست بلعبة، بل هى عضو من أعضاء جسد الأرض، و العبث بها هو عبث مباشر بنا، عبث بكينونة و مصير كل واحد منا،
لأننا وإن حكمنا بالإعدام على الطبيعة الكريمة، تارة نتيجة الخلافات السياسية و تارة نتيجة المصالح التجارية والمحلية أو الشخصية،
ننسى أو نتناسى أنه بذلك نقلص من فرصتنا بالتنعم بمعيشة حسنة، و أن الضرر عائد علينا اليوم قبل غدا لا مفر.
و أتعجب من رؤساء الدول الكبرى الذين يظهرون أنفسهم كمدافعون عن تلك الغابات و عن الطبيعة و هم أنفسهم يضرون بتلك الطبيعة و بنا، كل يوم،
وسأتناول بعض صور الإضرار بالطبيعة التى يسببها الإنسان يوميا، فى مقالات لاحقة،
ليس للتوثيق وإنما للتوعية، لعلنا نتيقظ من غفلتنا قبل فوات الوقت.
المايسترو بيشوى عوض
مؤلف موسيقى و عضو المؤسسة العالمية للمؤلفين الموسيقيين
مدرس الموسيقى بمعاهد الكونسرفتوار و مدارس باريس
قائد الكورالات و الأوركسترات