الجمعة , ديسمبر 20 2024
حامد الأطير

السوريون إخوتنا فترفقوا


د. حامد الأطير 

فليتوقف الناعقون والصارخون من العامة والدهماء وليكفوا أذاهم عن إخواننا السوريون، وليعلموا أن السوريين إخوة ورفاق لنا في الحضارة والتاريخ والدين والعروبة، وبيننا وبين أهل الشام عموماً محبة ومودة ونسب وصهر وهم الاقرب الى قلوب ونفوس المصريين.

وليعلم هؤلاء أن العلاقة بين مصر وسوريا موغلة في القدم وضاربة بجذروها في عمق التاريخ وقائمة منذ الفراعنة، حتى أن الملك “اخناتون” كان يتوجه بالدعاء لسوريا ويتمنى لها ما يتمناه لمصر والنوبة، يقول “إخناتون” في نشيده الذي يناجي ويدعو فيه الآله آتون ” أنت الذي يمنح سوريا والنوبه ومصر‏‏ كل ما تحتاجه هذه الأراضي‏، وبإرادتك أيها الإله آتون‏‏ خلقت الأرض والإنسان والحيوان وجميع المخلوقات وخلقت أرض سوريا كما خلقت أرض مصر، ‏فأنعم علي سوريا بمثل ما أنعمت علي مصر‏”

المفاجأة أن هناك حقائق تاريخية تؤكد أن الملك “إخناتون” مولود من أم سورية شامية فينيقية وأن العلاقات الثنائية بين مصر وسوريا قامت قبل إخناتون ووصلت لأعلى مراتبها بينهما في عهده فكان بينهما وحدة عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية لم تنتكس إلا بموت إخناتون.

وفي هذا المقام لابد لنا أن نُذكر أيضاً بالوحدة التي قامت بين مصر وسوريا في العصر الحديث (1958-1961) والتي تعتبر أول محاولة جادة ومخلصة للإتحاد القومي العربي، كما لابد لنا أن نُذكر بالفاطميين الذين تعود جذورهم إلى مدينة السلمية القريبة من حمص السورية ولابد أن نُذكر أيضاً بصلاح الدين الأيوبي المولود بتكريت التي كانت هي والموصل لا تزال جزء من مملكة حلب السورية.

ويحق لنا أن نسأل ما ذنب السوريين هم أو أي شعب عربي فيما يحدث لهم وقد أُجبروا على الحرب والدمار والفرار والشتات والهجرة وترك الديار والمراتع والأهل والأحباب واللجوء إلى بقاع شتى ودول عدة رحبت بهم إدراكاً منها لأزمتهم وتقديراً لمعاناتهم وتعاطفاً مع مأساتهم.

هل نستكثر على السوريون لجوئهم إلينا وهم لم يشكوا لحظة أنهم ما جاءوا إلا لأهلهم ورحمهم وإخوتهم في الدين والعروبة؟ هل نوقع العقاب الجماعي على إخوتنا السوريين لمجرد أن واحد أو اثنين أو حتى ألف منهم قد ارتكب مخالفة أو جناية؟ هل نقطع صلات الرحم وننسى الفضل بيننا؟ هل نمحو التاريخ والجغرافيا وهل نميت إنسانيتنا ونشهر في وجوههم التهديدات بالطرد لمجرد خطأ؟ وهل ننسى أو نتناسى بأن لنا ملايين المصريين المغتربين في العديد من بلاد الله يسعون وراء لقمة عيش شريفة؟ وهل نود أن يعاملنا الآخرون بالشدة والغلظة والعنصرية؟

أخشى أن يكون غضب بعض المصريين من السوريين مرده أنهم وضعوهؤلاء أمام أنفسهم وأظهروا لهم عيوبهم، فالسوريين رجال وشباب وسيدات وحتى الأطفال يعملون بجد واجتهاد ليل نهار وفي أي مهنة شريفة ولا يتكبرون ولا يتأففون على العمل في الوقت الذي يتلذذ فيه قطاع كبير من المصريين بالتقاعد والتكاسل عن العمل والتكبر عليه وميلهم للعمل الحكومي أو المكتبي الروتيني وكرههم للعمل الحر والحرفي الذي يدر أضعاف الدخل من الوظائف الروتينية .

للناعقين والزاعقين نقول لا تسيئوا إلى مصر، فمصر كانت دوماً قبلة العالمين وملاذ الخائفين وحصن الضعفاء والمقهورين ومنارة العلم وأول المُعلمين وقبلة الساعين للأمن منذ فجر التاريخ وإلى يوم الدين، مصر لم تكن يوماً قاسية مع الغرباء ولم تصك بابها في وجه مستنجد بها ولا محب لها لأنها بلد التسامح والاعتدال والتغافر.

 لهؤلاء نقول أياكم أن تنسوا أن مصر كانت قبلة الأنبياء والأتقياء وصاحبة البرديات التي سجلت أعظم القيم الإنسانية، جاء إليها إبراهيم أبو الأنبياء هو وزوجته ساره ووهبه ملكها هاجر أم نبي الله إسماعيل وجدة محمد نبينا الكريم وجدة العرب العدنانيين، ومن بعده جاءها نبي الله يوسف وترعرع  فيها حتى صار أمين على خزائنها وأتى بأخيه بنيامين وأهله من البادية ليعيشوا في ربوع الحضارة والتقدم وعاش فيها اليهود حتى بُعث فيها نبي الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون، وجاء إليها نبي الله عيسى الكليم وأمه مريم البتول ومعهم يوسف النجار، وجاءها بعد ذلك المسلمين وانتشروا بين أهلها ونشروا فيها الإسلام.

 لقد عاش أتباع الديانات الثلاثة وأرتال وصنوف من الناس من العالم كله على أرضها الطيبة وبين جنباتها ونهلوا من علمها وتمتعوا بحضارتها وشربوا من نيلها وأكلوا من خيرها وثمارها وتمتعوا بأمنها على مر العصور لذا فلا غرو أن يقول رب العزة على لسان نبيه يوسف ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين )

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.