بقلم: مدحت عويضة
أحمد سعيد هو أشهر مذيع مصري عرف عنه البيانات المضللة في حرب ١٩٦٧، ومن أشهر التعليقات التي سمعتها عنه من فم سيدة مصرية بسيطة من سكان القنطرة شرق، حيث قالت كنا نستمع لأحمد سعيد وهو يقول طائرات العدو تتساقط كالذباب فوق بحيرة البلاح ، وإذا بنا نجد الجنود الإسرائيليين فوق رؤوسنا، فأخذت أولادي وتركت كل شئ وجريت في إتجاه الغرب ومشيت من القنطرة شرق حتى وصلنا لأقرب قري محافظة الشرقية علي الأقدام. وعلي ذكر أحمد سعيد أحب أن أذكر معلومة عنه وهو أنه كاد أن يتسبب في أزمة بين مصر وبريطانيا سنة ١٩٦٥ بعدما طلب مجلس العموم البريطاني عدم دخوله بلادهم ضمن وفد مصري رسمي، لاتهامه بالتحريض علي قتل الجنود البريطانيين في عدن، ورفض عبد الناصر طلب بريطانيا وتدخل هارولدويلسون وألقي خطابا في مجلس العموم لاحتواء الموقف، اعتقد أن الجميع الأن عرف من هو أحمد سعيد العصر الذي نعيشه فكلاهما يبدأ أسمه بأحمد.
فقدان مصداقية الإعلام المصري لم تنتهي باستقالة أحمد سعيد وعلي ما أتذكر أنه في بداية التسعينات كانت هناك فتنة طائفية في مدينة طما حوالي ٤٠٠ كم جنوب القاهرة وكان يفصلنا عن المدينة حوالي ٣٠ كم حيث كنت أعيش في طهطا، فكنا ننتظر نشرة الأخبار علي بي بي سي العربية حتى نعرف ما يدور في طما.
مع رياح التغيير التي هبت علي المنطقة ومع الانتشار الواسع للقنوات الفضائية فضلا عن شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تنقل كل كبيرة وصغير، شهد الإعلام المصري تطورا نوعيا وكاد أن يكتسب مصداقية الشعب المصري والشعوب العربية الأخري، وكانت هناك جرأة كبيرة في نقل وتغطية الأحداث، وصلت للذروة في عهد مرسي واستمرت بعده بقليل وعشنا حرية الصحافة التي كنا نسمع عنها قبل ثورة ١٩٥٢، حتي شهدت الساحة الإعلامية انتكاسة كبيرة فرجعنا إلي عصر الخمسينات والستينات وربما أكثر من ذلك في الوقت الحالي.
بعد حدوث الانفجار خرجت علينا وزارة الداخلية بتصريحات أن الانفجار ناتج عن اصطدام سيارة كانت تسير بعكس الاتجاه، رواد شبكات التواصل الاجتماعي نشروا صور للسيارة، السيارة تبدو وكأنها متفحمة فكيف يكون هذا حادث سير، الصحفيين التابعين للأمن ينقلون بيانات الداخلية للتأكيد علي أن الحادث ناتج عن حادث سير عادي. قنوات فضائية غير مصرية بدأت تتحدث عن عملية إرهابية، والإعلام المصري يتحدث عن حادث سير!!!!. وأستمر هذا الوضع لعدة ساعات، المواطن المصري فقد ثقته في وسائل الإعلام المصرية، وراح يبحث عن قنوات ومصادرأخري. إلي أن صرح الرئيس أن الحادث نتيجة حادث إرهابي.
وهنا بدأ الإعلام المصري في خلع ملابس أحمد سعيد وبدأ ينقل أخبار حقيقية عن الحادث، من تحديد للعناصر المدبرة للعملية، وتحديد الجهة المسئولة عن الحادث ومطاردة الإرهابيين، وجمع تبرعات لإعادة بناء معهد الأورام، ونقل أخبار جنازة ١٧ شخص من عائلة واحدة شاء حظهم التعيس أن يكونوا متواجدين في منطقة الحادث وقت التفجير. وبدأت التغطية علي الأكاذيب بتغطية مكثفة لتتبع الشرطة للإرهابيين وقتل البعض منهم.
الحادث كان مؤلم وجبان وأستهدف مجموعة من البشر يعانوا من مرض السرطان اللعين، ومعظم المرضي من الطبقة الفقيرة، قلوبنا مع الضحايا وعائلاتهم وأصدقائهم، فمن منا لم يعتصر قلبه عندما شاهد هؤلاء المساكين.
ولكن رسالة نرسلها للمسئولين في بلادنا العزيزة وهي أننا لا يمكن أن نعيد بناء بلد بدون عمودين أساسيين وهما حرية الصحافة، ومعارضة وطنية حقيقة، فليس كل صوت معارض هو خائن وليس كل صحفي ينقل الأخبار الصادقة هو عميل، ربما يكون المعارض أكثر وطنية من المطبلين، ،ربما يكون الصحفي الذي يغطي الخبر بصدق وأمانة هو أكثر حبا لبلادة من الذين ينتظرون إملاءات الجهات الأمنية.
أختم مقالي بتوجيه رسالة للصحفيين الذين تخلوا عن مبادئ مهنتهم وتناسوا اليمين الذين أقسموه، وقاموا بتغطية كاذبة للحادث وهم يعلمون علم اليقين أن ما يقولونه وما يكتبونه كذب مبين،زملائي الأعزاء بماذا تشعرون الأن وكيف تردون علي أسئلة أولادكم عندما يجدون كلامكم وقد أختلف كليا وجزئيا في غضون عدة ساعات. وهل تعتبرون ما فعلتموه هو وطنية وحبا للوطن أم هو تدمير للإعلام المصري بفقد مصداقيته تماما لدي الشعب المصري؟؟
ليتكم إلتزمتم الصمت لكان أشرف وأكرم لكم من الكذب علي الشعب.
المقال منقول من موقع إيلاف لقراءته أضغط هنا