الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

مش بس بالعقل الإلحاد (٢)

أول ما يصطدم به الإنسان الملحد هو محاولته معرفة كمال الله أو بمعن أدق وضع اللامحدود داخل عقله المحدود ومن الذين شغلهم هذا الموضوع هو القديس والفيلسوف أغسطينوس والذي في بحثه عن ذات الله غالبه النعاس وادخله الله في رؤية أو حلم حيث طفلًا يلعب على رمال شاطيء البحر وقد صنع حفرة صغيرة، وبدأ يأخذ بجردل صغير من ماء البحر ويضع في الحفرة حتى امتلأت وفاضت، والطفل لا يكُف عن محاولاته، وعندما سأله أُغسطينوس: ماذا تفعل يا ابني؟ أجابه الطفل: هل تساعدني يا سيدي في نقل كل ماء البحر إلى حفرتي هذه؟ فأجابه أُغسطينوس: لكن هذا من المستحيل يا ابني حينئذ سمع صوت يقول له: وهكذا يا أُغسطينوس عقل الإنسان المحدود يستحيل عليه أن يدرك ويحوي الله غير المحدود.

لذا فقد أغسطينوس معلقا عن ذات الموضوع قائلاً: “إن عقل الإنسان المحدود لا يستطيع أن يحيط بغير المحدود أو يستوعبه، ولكن مع ذلك فإن الروح القدس الساكن فينا يمكنه وحده أن يُنير بصائرنا ويجعلنا ندرك حقيقة هذا السر”. وما قاله أيضا الكثير من آباء الكنيسة فالقديس باسيليوس الكبير قال: “إن عقلنا المفكر ضعيف، ولساننا أضعف، فمن الأسهل قياس البحر كله بقدح صغير عن أن ندرك عظمة الله غير المدركة بالعقل البشري”.

فحين أخذ الطفل الصغير من ماء البحر ووضعه في إناء فإن خواص الماء لم تتغير والبحر لم يتأثر بالماء المنقول منه حتى وإن لبس إناء ضعيف وهكذا العلاقة بين الأب وكلمته المتجسدة فالآب لم يترك مكانه وتجسد فهو ذاك الماء الموجود في البحر والأبن لم تتغير صفاته أو خواصه فهو أيضا من ذات الآب وإن وضع نفسه في إناء الجسد فهو مازال من الآب خرج وفي الأب بكل الصفات الإلهية.

الإنسان لا يستطيع أن يدرك كل ما يتعلق بالذات الإلهية وبكمالها إلا بالقدر الذي يعلنه الله له ويكون إعلان الله له إما مباشرة عن طريق العلاقة الشخصية بين الإنسان والله حين يتحدث الإنسان لله من القلب بصفة مستمرة دائمة في علاقة قال عنها الكتاب يوماً أن موسى – المخلوق الضعيف – كان يكلم الرب كما يكلم الرجل صاحبه – طالبا منه أن يعلن له ذاته وأن يكشف له ما يريد منه فهنا يبدأ الله يتعامل مع الإنسان مباشرة ويقوده بروحه القدوس لأن الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أولاد الله .

فإن كنت مازالت تشك في وجوده وقد أرهقتك الكلمات والحوارات والأبحاث فليس أمامك سوى تلك االطريقة الشخصية وهي أن تقف أمام الإله الذي ترى أنه غير موجود وترفع يدك أمام غير الموجود في نظرك وقل له إن كنت موجوداً فاعلن لي ذاتك وقد شهد الكثير من الفلاسفة الملحدين أنهم حينما قفلت الأبواب أمامهم إلتجأوا لفكرة مجنونة وهي ان يصرخوا طالبين رسالة مباشرة منه إن وجد

والعلاقة الشخصية مع الله ترد أيضاً على التساؤل الشهير المطروح من الكثيرين : لماذا أصلي لله طالما هو سيفعل ما يريد؟ ولكن الحقيقة ان الصلاة الحقيقية لها طريقان الأول فقد تجعل الله يعلن لك مشيئته في أمور لم تكن لتعلن لك من قبل كالذين تنبأ لهم البابا كيرلس بأمور مستقبلية وهو أمر حصل عليه هذا القديس بهذه الطريقة والمقصود هنا بالطلبة القلبية الخارجة بلجاجة ودالة البنين

الطريق الثاني والذي قد يسلكه الله مع الصلاة القلبية الشخصية هو أن يغير من قرارته المتعلقة بك فلأنه خلقك مخير في أمور كثيرة فدمعة توبة حقيقية من عينيك قد ترفع عنك عقوبة كانت مقررة لك من مصدر العدل الإلهي وقد وجدنا في شعب نينوى المثال المحبب لنا في العدل الإلهي أعلن أنه بعد أربعين يوما تنقلب مدينة نينوى ولكن بمجرد أن صام شعب المدين ولبس مسوحا وصلى من قلبه تلاقت رحمة الله مع عدل ورفعت العقوبة ولم يقلب المدينة وكانت لنا علامة أن الصلاة القلبية قد تغير فكر الله حتى أن آباء الكنيسة في تسبيحتها اليومية يقولون عن الله أنه مغلوب من محبته ولكن كل هذا لا يغير من الحقيقة أنه يفعل هذا بكامل إرادته وبكامل مشيئته ولا يقلل من كمال صفاته الإلهية.

والحقيقة أن مقولة الله عرفوه بالعقل مقولة ناقصة وقد أدت لوقوع بعض الهرطقات وكانت السبب في إلحاد البغض فالعقل قد يجعلك ترى أعمال الله ولكنه لن يجعلك تدرك صفاته وتكتشف مشيئته وتلمس أبوته الا بالإيمان وبالعقل والإيمان لن تدرك كماله يقول “البابا أثناسيوس الرسولي”: “الله خارج كل شيء بحسب جوهره، لكنه في كل شيء بأعمال قدرته” .

للحديث بقية

شاهد أيضاً

قلوصنا ورحلة السنين

نبذة  صغيرة عن تاريخ قرية قلوصنا التابعة لمركز سمالوط محافظة المنيا ذكر أقلاديوس لبيب أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.