د.ماجد عزت إسرائيل
شهدت قرية شارونة التابعة لمركز مغاغة – محافظة المنيا بجنوب العاصمة المصرية القاهرة في يوم 13 يوليو 2019م حادثة سرقة لجثمان القمص “جرجس إبراهيم البسيط “المتنيح في عام 2007م.
حيث أعلنت مطرانية مغاغة والعدوة للأقباط الأرثوذوكس في بيان صادر عنها فى(20 يوليو 2019م) بعنوان “كما تمتد الجرائم على البشر الأحياء،هكذا تمتد على الأموات منهم”، وبناء على ذلك عقد نيافة الحبر الجليل الأنبا
أغاثون أسقف كرسي مغاغة والعدوة في يوم 19 يوليو 2019م اجتماع مع وكيله وآباء الأبريشية؛ وكان على رأسهم القمص قزمان بن القمص “جرجس بن القمص إبراهيم البسيط”،لمناقشة هذه الحادثة التى تعد إضافة إلى
الجرائم التى تحدث في حق الأقباط الأحياء بمحافظة المنيا بجنوب مصر.
وعقب هذا الاجتماع مباشرة صدر بيان عن أبريشية مغاغة والعدوة حيث ذكر بهذا البيان عمل محضر رسمي
تحت رقم(4360) بقسم شرطة مدينة مغاغة،ومطالبة الأجهزة الأمنية بمحافظة المنيا بسرعة التدخل وإعادة الجثمان إلى ذويه، كما ورد أيضًا “… في يوم السبت الموافق 13 يوليو ا2019م جرى التعدي على
حرمة الأموات في مدافن
الأقباط بقرية شارونة بمركز مغاغة، بانتهاك حرمة جثة أو جسد المتنيح القمص جرجس القمص إبراهيم البسيط كاهن كنيسة مارجرجس بقرية جزيرة شارونة، والذي تنيح (مات) منذ 12 عاما”.
وكذلك أضاف هذا البيان تأكيد على أهمية دور الدولة في الحفاف على حرمة الميت حيث ذكر قائلاً”: يعد هذا الانتهاك طبقا للقانون المصري هو جناية سرقة جثة أو جسد أب كاهن كان ولايزال رمزا دينيا وروحيا له وضعه الاجتماعي وسط الناس، وبناء عليه حررت أسرته محضر بقسم شرطة مركز مغاغة برقم 4360 إداري”.
ومن الجدير بالذكر أن هذا البيان الصادر عن أبريشية مغاغة والعدوة.
قد أشار إلى أن السارقين للجثمان أى نابشي القبر اتصلوا ذويه حيث ذكر قائلاً: “…. وبعد سرقة الجسد جاءت مكالمة تليفونية إلى أحد أبنائه تحمل رسالة تهديد خاصة بالجسد، وبعدها تم الذهاب إلى المدفنة فلم يجدوا الجسد وتبعتها رسائل أخرى مكتوبة على الموبايل تحمل معاني عديدة……….”.
على أية حال،ربما اعتقد أن سرقة جثمان القمص جرجس إبراهيم ليس ظاهرة جديدة على المجتمع الشرقي.
فقد سبق لدواعش العراق وخاصة في مدينة الموصل نهب قبور المسيحيين وسرقتها وهدمها
وقد تعرضت بعض المقابر المصرية عقب ثورتى 25 يناير 2011م،وثورة 30 يونية 2013م للنهب والسرقة بحجة البحث عن الآثار المصرية القديمة.
وكانت معظم المقابر التى تم الاعتداء عليها ملك لأقباط مصر.
اعتقد أن مثل هذه الأمور تحتاج لتدخل من الحكومة المصرية لوقف نهب وسرقة مقابر الأقباط والحفاظ على حرمة الميت وذويه.
كما أن محافظة المنيا تحتاج إلى مزيد من الحماية الأمنية، وخاصة لممتلكات وكنائس ومقابر للأقباط الذين يعشون بها.
حيث لم يمر علينا يوم ألا ونسمع عن أحداث ومشاهد طائفية مثل خطف القبطيات أو الاعتداء على على الكنائس أو حرق الممتلكات أو نهب القبور.
وهذا ما لا نتمناه لمصرنا الحبيبة وشعبها الطيبين.
والآن عزيزي القارىء ..أتركك للتعرف على ثقافة الحياة والموت بين الشرق والغرب- تقوم الحياة بصفة عامة على الجهد البشرى، والبشر طوال تاريخهم على سطح الأرض، حاولوا أن يتكيفوا مع بيئتهم؛ عن طريق البحث عن الموار الطبيعية المتاحة فى بيئتهم، ومحاولة استغلالها فى أشباع حاجاتهم من أجل البقاء والاستمرارلأجسادهم
ولأسرهم،وخلال الزمن حاولوا ان ينتقلوا من مرحلة ألى مرحلة آخرى، مثل الانتقال من المرحلة البدائية لجمع الغذاء إلى بيئة التخصص فى جمع الغذا والصيد، وظهرت هنا جماعات النبات، وجماعات الصيد
ثم سرعان ما انتقلوا إلى بيئة الزراعة العشائرية، والبيئة الريفية والحضرية، ثم بيئة مدن الغرب، فبيئة الثورة الصناعية والديموجرافية الأوربية، حتى وصل الإنسان إلى يوماً هذا, والتى تعرف بيئته بمجتمع المعرفة الكثيفة.
على أية حال، نستطيع أن نستنج عبر التاريخ؛ أن هذه الجماعات البشرية خلال مرورها بالمراحل المختلفة أستطاعت أن تنتقل تدريجياً من مرحلة إلى مرحلة آخرى من خلال الحفاظ على كيانها الاجتماعي وربما السياسى،
حتى أصبحوا قادرين على تأسيس مجتمعات قادرة على الحفاظ على ذاتها وأستدامتها من خلال الارتباط والتوجهات الثقافية المشتركة.
تلك المجتمعات المختلفة أستطاعت من خلال تعدد أنماطها الاستمرار من خلال إعادة
إنتاج( توالد )البشر،وعملية التوالد تقف نقيضاً لعملية الانحلال(الموت)، ولذا نجد أن القدماء المصريون، اهتمواً
بالموت مع كراهيتهم له وتعلقوا بالأمل في البعث بعد الموت، فقد كتبوا عنه:
“الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان، ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء لن نعود إلى الأرض أو نرى الشـمس”
وكانوا يعتقدون في الحياة الآخرة، ويرجع ذلك إلى طبيعة البيئة المصرية القديمة والفترات الطويلة من التأمل في الظواهر الطبيعية،خاصة في شروق الشمس وكأنها تولد، وفي غروبها وكأنها تموت، ثم بزوغها من جديد في اليوم التالي،وهكذا رأوا أن الموت امتداد للحياة وأن الحياة امتداد للموت.
والموت فى الثقافة هو نهاية الحياة لأى نظام اجتماعى حى مثل الأجساد والجماعات والمجتمعات، الموت ينهى الفعل الاجتماعى والممارسات الاجتماعية، ولذلك نظر إلى الموت فى ثقافتنا الشرقية، بإنه شر وقدر محتوم، ولكنه
استمرار للحياة بشكل أو بآخر، كذلك يمكن أن يساهم جسد المتوفى رمزياً فى إعادة ميلاد الحياة.
وهناك علاقة بين الأحياء بالأموات من خلال الممارسات الاجتماعية من ممارسة أستكمال طقوس الدفن، والرغبة القوية لدى الأحياء كى يظلوا على اتصال بالآخرين الأعزاء الذين رحلوا عنهم، بزيارتهم كى تظل علاقاتهم
موصولة، وهذه العلاقات تصورها لنا أغانى الموت الحزينة التى تعبر عن ألالم والحزن والتى لا تخف حدتها خلال فترة الحداد(غالبًا أربعين يوماً)، ويؤدى هذا النوع من الغناء من خلق شعور بالمواساة والسلوى لدى الأحياء غير القادرين على تقبل الموت، كما تسهم فى إحداث تحول من الشعور بعدم قبول الموت إلى قبوله فى النهاية عن طريق تأكيد استحالة عودة المتوفى.
على أية حال، سار التفكير الفلسفى على خطين فيما يتعلق بالموت والحياة، أحدهما يدرس الحياة من حدها، ويرى
أن الموت هو الذى يعطى الحياة معنى بالنسبة لنا نحن الكائنات المتناهية الفانية.
فمن فكرة أفلاطون عن “التدريب على الموت” إلى التحليل الوجود لـ “هايدجر” والذى كشف عن”الوجود نحو الموت”، كان التيار الرئيسى للفلسفة الغربية مخلصاً دائماً، لهذا الخط.
وهناك جانب آخر من الفلاسفة وهم قلة فى واقع الأمر،ساروا على نهج
“أبيقور”القائلة بأن:” الموت هو لا شىء”،فإذا كان الموت مجرد لا شىء ولا معنى له بالنسبة للحياة، فلن نستطيع
أن ندرس الحياة من حدها، بل على العكس يجب أن ندرسها لذاتها، وحينها سيتضح معنى الحياة من داخلها.
وهذا الخط من فلسفة الحياة والموت عبر عنه الفيلسوف الهولندى”سبينوزا” الذى عاش فى القرن السابع عشر الميلادى وذكر عن الموت قائلاً:”الموت هو أخر ما يفكر فيه الرجل الحر”.