كتبت : نازك شوقى
تعد مظاهرات 30 يونيو هي أكبر مظاهرات حاشدة شهدتها السودان منذ فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو، والذي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 115 شخصا.
وكان تجمع المهنيين السودانيين، هو المحراك الرئيسي للاحتجاجات في السودان، قد دعا المتظاهرين، مساء الأحد، إلى التوجه نحو القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم، وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة، والتي دعت للمظاهرات، حملت في وقت سابق، المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، مسؤولية أي أحداث عنف في تلك المظاهرات والتي أعلنت القوى أنها لإحياء ذكرى الشهداء والمطالبة بتسلم السلطة للمدنيين.
انطلاق ثورة 30 يونيو فى السودان
عادت المظاهرات في السودان الى الواجهة على مواقع التواصل الاجتماعي .
مليونية 30 يونيو وكانت قوى الحرية والتغيير قد دعت الى خروج ما أسمته “مواكب الحداد على الشهداء” فيما أطلق “تجمع المهنيين” في بيانٍ أصدره مسمى “مليونية مواكب الشهداء وتحقيق السلطة المدنية” على تظاهرات العاصمة الخرطوم حيث تم تحديد نقاط عدة كي ينطلق منها المتظاهرون تزامناً مع تظاهرات نظيرة في مدن ومناطق السودان الأخرى.
ويصادف تاريخ 30 يونيو الذكرى الثلاثين لوصول عمر البشير لسدة الحكم عبر انقلاب عسكرى
أما في مصر، فيصادف الذكرى السادسة للتظاهرات الحاشدة التي أفضت الى الاطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي.
احياء ذكرى 30 يونيو فى مصر
مرت الذكرى السادسة لثورة 30 يونيو، وتمكنت الدولة المصرية من تجاوز الكثير من المصاعب للحفاظ على الوجود، وتصدت لجانب كبير من التحديات الأمنية و السياسية وقطعت شوطا في طريق الإصلاحات الاقتصادية ، ما جعل شريحة كبيرة من المواطنين ترى في ذلك إنجازا مهما يستحق الاحتفال
بينما رأت مجموعة صغيرة في ذلك اليوم انتكاسة وخرابا وعارا، بذريعة أن هذه الثورة عطلت النمو الديمقراطي في البلاد.
وقد أحيى المصريون هذه الذكرى عبر هاشتاغ “30 يونيو ارادة شعب” حيث حصد العدد الأكبر من التغريدات على تويتر
واستعاد المغردون باستخدام هذا الهاشتاغ ذكرياتهم ومواقفهم من هذا الحدث التاريخي المثير للجدل وتبادل بعض المغردين التهاني والتبريكات في الذكرى السادسة لما يصفه البعض بـ “الانقلاب” على حكم الاخوان المسلمين بعد عامٍ واحد من صعودهم للسلطة.
وكال البعض الآخر المديح والاشادة للجيش المصري والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي معتبرين أنه “خاطر بحياته” من أجل تحقيق ارادة الشعب.
وجه التشابه والاختلاف بين ثورة شعب مصر وشعب السودان
أن تجربة مصر فى إسقاط حكم الإخوان كانت ملهمة للشعب السودانى ، “نجاح ثورة 30 يونيو كان ملهم للشعب السودانى الذى خرج من كل الولايات ضد حكم الجبهة الإسلامية وكسر حاجز الخوف، وطالب بسقوط النظام” لكن على عكس دعم الجيش لثورة 30 يونيو من البداية فإن المواطنيين السودانيين لا تزال لديهم مخاوف من عدم وقوف الجيش فى صفهم، ” الجيش منقسم لكن بداخله فريق مساند للشعب و استمرار الحراك الشعبى ربما يجعل الجيش يقف فى صف الشعب ويساند ثورته مثل ما حدث فى مصر.”
أن مصر لم تصبر على حكم الإسلاميين إلا عاما واحدا، بينما اندلعت الثورة السودانية بعد تراكم 24 سنة من حكم الجبهة الإسلامية فى السودان والتى تعتبر جزءا من تكوين حزب الإخوان العالمى ، حين بدأت الثورة ، قطع الإنترنت لوقف التواصل بين الثوار وهى نفس الملابسات التى حدثت فى ثورة مصر الأولى فى 2011، ولكن أسباب الثورة السودانية تتشابه مع أسباب ثورة 30 يونيو فى مصر ضد الإخوان وهى نتاج تراكمات كثيرة من محاولات لتقسيم البلد لشمال وجنوب رغم أن الاستعمار الإنجليزى لم ينجح فى أن يفعل ذلك، والاتجار باسم الدين ورفع شعارات دينية وتوزيع معونات وقت الانتخابات وترهيب الشعب وتضييق على الحريات.”
والكذب على الشعوب هى سمة مشتركة بين الحكام
فى السودان “كانوا يحكموا بالشريعة الإسلامية وكل موارد البترول تضاف لحساباتهم فى سويسرا ويفرضوا جبايات على الشعب دخلت السودان فى أبشع أزمة اقتصادية عرفتها فى تاريخها، غير قمع المرأة فمن حق أى عسكرى يقبض على سيدة بسبب لبسها وتجلد 40 جلدة أو عناصر الشرطة تتحرش بيهم تحت اسم قانون النظام العام السودانى الذى نشأ بموجبه إدارة أمن المجتمع المتخصصة فى متابعة لبس السيدات فى الشوارع!”
قد يكون التاريخ واحدا بالنسبة للبشر، لكن المعاني والدلالات النهائية حوله تختلف من بلد لآخر، وربما تختلف الرؤية بين القوى السياسية في المكان الواحد، وهو ما جعل يوم الأحد يوما يتجاوز حدود التقييم الماضي لحدث مهم في كل من مصر والسودان، ولن تكون بعيدة عن بعض التطورات في المستقبل.
إذا كان ذلك اليوم يؤرّخ له في مصر كعلامة على السقوط المدوي لجماعة الإخوان، فإنه في السودان يعد يوما مفصليا أيضا. صعدت فيه الجماعة رسميا إلى سدة الحكم منذ ثلاثة عقود، وانتقلت من الظل إلى الواجهة، واختبرت الحركة الإسلامية كإطار جامع للإخوان وغيرهم من المنتمين للتيار نفسه، وأثبتت هشاشتها وفشلها في أول مواجهة جماهيرية جادة.
قدم حكم الرئيس عمر حسن البشير نموذجا عمليا سيئا للتيار الدينى في الأداء، ولم يستطع جلب تعاطف كبير في صفوف السودانيين بدليل تهاويه عند أول انتفاضة جادة. وجعلهم يكفرون باليوم الذي صعد فيه ورفاقه إلى السلطة عام 1989، بالمناورة والمراوغة والتدليس، لذلك حشدت قوى الحرية والتغيير ليكون يوم الأحد، رسالة أساسية لعدم الرغبة في تكرار ما حدث قبل ثلاثين عاما، والتذكير أن الحيل والألاعيب السياسية لم تعد تقنع السودانيين.
بصرف النظر عن حجم المليونية التي خرجت يوم الأحد ومن شاركوا ومن رفضوا ومن تحفظوا عليها، وبعيدا عما حدث فيها من ملابسات أمنية، ففيها من العبر والدروس السياسية ما يستحق الوقوف عنده،
مر 30 يونيو المصري بسلام ولم تتجاوز أصوات من أزيحوا عن السلطة، بحكم إرادة الشعب أولا ودعم المؤسسة العسكرية ثانيا، لم نر أشخاصا تملأ أجسادهم وحناجرهم الشوارع والميادين في مصر، كمؤشر عملي على الرفض للثورة والتأييد لحكم الجماعة.
رأينا الآلاف من السودانيين يتضامنون ضد تكرار تجربة البشير والإخوان والإسلاميين، ورفضوا عبارات التهديد والوعيد التي وُجهت إليهم من قبل قوات الأمن، وعزفوا على وتر واحد يؤكد رفض العودة إلى الماضي، والسعي نحو وضع المتاريس السياسية التي تردع من يفكرون في ذلك مستقبلا.
30 يونيو يؤرّخ له في مصر كعلامة على السقوط المدوي لجماعة الإخوان
هناك فرقا بين حركة الشارع في مصر ونظيره في السودان، والثاني أكثر عافية سياسية بسبب الفورة الثورية المستمرة، ولا زال مشدودا لأناشيدها العاطفية، وما تنطوي عليه من رغبة كبيرة في الحكم الرشيد. ونتمنى أن يتخطى الشعب السوداني العراقيل المتراكمة وينتبه إلى ممارسات من يريدون جر الدولة إلى نفق مظلم جديد.
إذا كانت حركة قطاعات كبيرة في مصر وافقت على ثورة 30 يونيو في حينه أو بأثر رجعي وتحفظت على بعض مآلاتها السياسية، فإن ثورة 30 يونيو في السودان لا تزال مرفوضة في البداية والنهاية من شريحة واسعة هناك. وفشلت العقود الماضية في تضميد جراحها، بل جعلتها شبحا يخشى كثيرون من مطاردته مرة أخرى في خطوات المجلس العسكري، وهو ما يفسر العقدة التي تلازم خلخلة الأزمة في السودان.
ربما يكون يوم 30 يونيو المصري تجاوز جزءا كبيرا من تناقضاته المحلية، بينما في السودان يحتاج إلى المزيد من الجهد لتخطي تأثيراته على القوى السياسية.
تشابه ايقونة الثورة فى مصر والسودان
الكنداكة”.. هي آلاء صلاح، أيقونة الثورة السودانية، والتي ظهرت خلال التظاهرات الاحتجاجية للشعب السوداني، بينما تلقي الشعر ويلتف حولها المتظاهرين من كل حدب وصوب، ما جعل الصورة تمثل إلهاما للمواطنين من مختلف أنحاء العالم والذين قاموا بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما حدث للكنداكة السودانية، كان مسار مقارنة مع أحد أيقونات ثورة الخامس والعشرين من يناير الناشطة السياسية نوارة نجم.
حيث ظهرت نوارة نجم نجلة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير بينما تقود المتظاهرين والمتظاهرات باتجاه ميدان التحرير، في الوقت الذي اعتبرها الكثير في هذا الوقت من المواقع الأجنبية أحد الملهمين الهامين لثورة الخامس والعشرين من يناير وللنساء من مختلف أنحاء العالم.
ومن أبرز الأمور التي جعلت الاثنين في مسار مقارنة، هو ما تعرضوا له فيما بعد، من تهديدات القتل والسخرية والتشوية النفسي والمعنوي، حيث أعلنت “آلاء صلاح” الناشطة السياسية، عن تعرضها لتهديدات بالقتل، إلا أنها مع الوقت نفسها لم تأبه للامر وأصدرت تصريحات تؤكد عدم مخافتها بأي حال من الأحوال مما تتعرض له.
وقالت السودانية آلاء صلاح بعد يومين من انتشار تسجيلات مصورة أظهرتها وهي تقف على سيارة تقود الحشود خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم “المرأة السودانية دوما هي فاعلة في المجتمع السوداني وتهتم بقضاياه وتطالب بحق شعبها وحقوقها كامرأة”.
وأضافت أن هذا “جزء من تاريخنا. في مملكة مروي القديمة كانت السيدات ملكات ويطلق عليهن اسم “كنداكة “وهو ما يستخدم الآن للنساء في هذا الحراك”.
في الوقت نفسه، كانت نواره نجم تتعرض لنفس الظروف، خاصة بعد وفاة والدها، ومساندتها الكبيرة لثورة ثلاثين من يونيو مهاجمتها لعناصر جماعة الإخوان الإرهابية، والذين هددوها مرارا وتكرارا بالنيل منها جسديا، إلا أنها كانت صامدة امام هذه المحاولات.
بينما كانت النهاية الأنجح لكليهما، بعد إسهام نواره نجم في مشاركتها في إسقاط نظامين في ثورة الخامس والعشرين من يناير، وفي الثلاثين من يونيو ضد نظام الإخوان الإرهابي، بينما ساهمت الكنداكة في إسقاط حكم البشير، والاثنان وصلا لثلاثين عاما من الحكم المستبد.
السودان على خطى مصر 30 يونيو.. هذا هو خلاصة المشهد السياسي في السودان بعد عدة أشهر من اندلاع الثورة السودانية ونجاحها في الإطاحة بالرأس الكبيرة.
فى يوم 30 يونيو كرر نائب رئيس المجلس العسكري السوداني حميدتي ذات الكلمات التي كررها المشير السيسي في مصر حين طالب الشعب للنزول دعما للمجلس العسكري، وتفويضا بمحاربة الارهاب المحتمل.
حميدتي أيضا أكد ما أكده السيسي أول مرة من أن المجلس العسكري غير طامع في الحكم، ولا يريد سوى الخير للبلد.
السؤال المحوري الآن هل يدعم السودانيون المجلس العسكري ويسيرون على ذات الطريق الذي ثار عليه المصريون قبل 7 سنوات؟
أم يستمرون في ثورتهم حتى اقتلاع النظام القديم من جذوره؟ )