الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

اللاحيادية التاريخية

ماجد سوس

في السنوات الأخيرة وبعد انتشار التقدم في مجال تكنولوجيا الوسائل المرئية ووسائل الاتصال والبرامج الخاصة بالبث المباشر بخلاف انتشار صفحات التواصل الاجتماعي العريضة


أصبح من السهل على أي شخص ان يقدم نفسه على الهواء مباشرة ويحكي كيفما يشاء دون رقيب ودون أن يتكلف مليما واحداً.
بات المجال مفتوحا للأحقاد، لتصفية الحسابات وللتشهير بالآخرين وخاصة ان وسائل تحقيقها أصبحت في متناول يد الجميع كالمقالات والعظات والصور والآراء والتي من الممكن أن يؤخذ منها أجزاء وتركيبها مع أجزاء أخرى حتى ولو على حساب هلاك التاجر والمستهلك.


المتاجر بالإيمان يزعم أنه يدافع عنه ويحميه فيسقط في بدعة حاربها الرسول بولس وهي بدعة الإيمان المجرد عن المحبة حين قال إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسا يطن أو صنجا يرن أي أنني أصيرا أجوفاً فارغاً من الداخل ثم عاد يقول وإن كانت لي نبوة

وأعلم جميع الأسرار وكل علم، لا حظ كل علم فالعلم لن ينفعك بلا محبة ثم قال ما هو أصعب وهو وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة


فلست شيئا وإن أطعمت كل أموالي ، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئا.
أقول هذا بسبب الحرب الشرسة سواء عن طريق البيانات المفتعلة أو صفحات التواصل الاجتماعي التي تتاجر بإيمان الكنيسة على حساب انقسامها .


يهاجمون البابا تواضروس الثاني في كل مكان وبصوت عال ظاناً منهم أن صوتهم سيجعل الأقباط يتركون باباهم ويلتفون حولهم.من أصعب الأمور التي قد تجد نفسك أمامها مغتاظا ومتعجباً في ذات الوقت كثيرا هذه الأيام هي العمل على تزييف التاريخ إما عن قصدٍ وعن جهلٍ ولو أني أستبعد الاحتمال الثاني خاصة مع كثرة المراجع والمصادر


وسهولة البحث عن الحقيقة من بعض المصادر الأمينة، على أننا حتى إن سلمنا بتوافر مبدأ حسن النية قليلاً، فسنجد أنفسنا أمام ما يسمى بالتبعية القلبية دون إعمال العقل لمجرد الوازع العاطفي الذي يقودنا نحن السير وراء أشخاصاً بعينها لمجرد حبنا لهم أو مكانتهم في المجتمع أو الكنيسة فنبدأ بتزييف التاريخ أو المشاركة في تزويره وتستمر
الكارثة حتى تؤدي إلى نتائج وخيمة إذا تناقلت الأجيال هذا التزييف .


فتجد مثلا شخصا جاهلا يستغل البسطاء ويقدم برنامجاً يحذر فيه من تزوير التاريخ وفي ذات الوقت يقوم هو بتزييفه مستخدماً أسلوباً مخابراتياً مقيتاً تعودنا عليه منذ فترات متباعدة من تقطيع أجزاء وإخفاء حقائق وإخراج سطور من سياقها وموضوعات من فحواها ونقد أمور لاهوتية أو نقلها دون علم أو دراسة أو نقلها عن أناس أصدروها دون الرجوع إلى الباحث الحقيقي ومحاورته.


والعجب كل العجب ان كثير من تلك الأمور والموضوعات شهود العيان فيها مازالوا أحياء، منهم من كتب تكذيباً ومنهم من التزم الصمت لئلا يتحول السجال إلى خلافات شخصية والخاسر الأكبر هي الكنيسة وشعبها.


التاريخ ليس مجرد كتابة حياة إنسان أو الكتابة عن حادثة تاريخية، أو سرد تاريخ الشعوب، أو تاريخ الحروب مثلا وإنما هو تحليل وفهم بوعي للأحداث التاريخية من خلال منهج يصف لنا ويسجل كل ما حدث من وقائع وأحداث ويحللها ويفسرها على أسس علمية دقيقة بقصد الوصول إلى حقائق تساعدنا فهم ماضينا وحاضرنا والتنبؤ بمستقبلنا.


أما المؤرخ هو العالم الذي يدرس ويدون عن التاريخ، ويُعتبر مرجعًا في هذا العلم، يهتم المؤرخون بالسرد المنهجي المتتالي والبحث في الأحداث الماضية وعلاقتها بالجنس البشري لذا فعلى المؤرخ أن يكون محايدًا بعيدًا عن النزاعات السياسية والفكرية والعقائدية.


فالمؤرخ إما مسجلاً للتاريخ كشاهد عيان لا أقل ولا أكثر، يكتب شهادته عما رآه أو سمع به ويمضي أو أنه باحث في شهادات غيره، لا يحق له أن يضع شهادته بين الشهود؛ فهو قاضٍ يقضي مستندًا إلى ما بين يديه من شهادات، ولا يحق له أن يترك منصته فيفقد حيدته حين يدلي بشهادته مثل سائر الشهود، ولو فعل لما أصبح قاضيًا أصلًا، أو بمعنى آخر: لا يصبح مؤرخًا بذلك المعنى الذي ذكرنا.


والمؤرخ يجب أن يكون هادئًا بطبعه، يبتعد عن أي انفعال وعليه ليفهم كل ما حدث أن يكون قريبًا من تجربة الناس الذين يكتب عنهم وأن يتفهم سلوكهم في لحظة من تاريخهم فالمؤرخ يأبى عليه أن يكون طرفًا، ضد أو مع أحد على حساب الآخر فاقترابه من الأحداث لا يعني أن يكون له موقف شخصي، لذلك لابد للمؤرخ بطبيعته


أن يقف بعيدًا عن التحيز والتطرف، وهو أميل إلى الهدوء في اتخاذ الأحكام، والاتزان في تكوين القناعات، وقد ينسحب هذا الهدوء والاتزان على سلوكه في حياته فالإنسان العصابي أو الانفعالي لا يمكن أن يكون مؤرخًا بأي حال.أنه لا يُتصور عقلا ولا منطقاً أن شخصاً وهو يتمادى في تزييفه للتاريخ يمتد في تهكمه إلى علم وفكر الشخصية التاريخية التي يتحدث عنها وهو غير دارس للعقيدة أو اللاهوت


ولم يبحث في المصطلحات التي كتبت فيها النصوص التي ينتقدها بلغاتها الأصلية ولم يصل لنصف درجة العالِم اللاهوتي الذي يحكم عليه ولم يقرأ كامل أبحاثه وكتاباته فتجده يهاجمه ويحاربه بشراسة ويشوه سمعته
ويقلل من مكانته، كل هذا لمجرد أن شخصا يحبه قال هذا أو كتب هذا فيكون حكم الباحث معيباً غير منزها عن الحيادية.

إذا النتيجة التي توصلنا إليها الآن، أن قليلون جدا هم المؤرخون وأكثريتهم يلتزمون الصمت بسبب الصخب المتزايد على السوشيال ميديا من أولئك المتسلقين الذين ملئوا دنيانا صخباً وعويلا، لذا أنتهز هذه المناسبة كي أهيب بكل من شهد وشاهد أحداثا بعينيها أن يسجلها لنا حتى لا يُترك الشعب بلا رؤيا فيجمح.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

دستور إيمان الكنيسة … لماذا الآن؟.

كمال زاخر طالبنى العديد من الأصدقاء بتوضيح ما كتبته قبل أيام تحت عنوان: ماذا بعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.