الأحد , ديسمبر 22 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

لعبة الحمل والذئب

مدحت موريس

إزدحمت القاعة الرئيسية بمركز البحوث التابع لوزارة البحث العلمي, بالعديد من الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء بالإضافة إلي العلماء المحليين والأجانب وذلك في انتظار انعقاد المؤتمر الصحفي العالمي الخاص بالظاهرة المعجزة التي حدثت ومازالت تحدث في وطننا الحبيب، لم يجلس عاطف في مكان واحد.

فهو يحضر المؤتمر بصفته المهنية، وفي نفس الوقت يشعر بمسئوليته تجاه الضيوف الأجانب- وعلي الرغم من أنه ليس له علاقة بتنظيم المؤتمر أو المنظمين- إلا أنه بدافع وحس وطني وجد نفسه يحاول أن يساهم في إنجاح المؤتمر وإظهار الجانب المشرقh من وطنه أمام الضيوف الأجانب ،خاصة بعد هذه الظاهرة الجديدة التي يمكن استثمارها بشكل إيجابي لتضاف للقائمة الطويلة من أوجه الجذب السياحي جنبا إلي جنب مع الآثار القديمة والمنتجعات الطبيعية باعتبارها أعجوبة القرن الحادي والعشرين

بدأ. المتحدثون في الظهور منهم ساسة وعلماء وكبار رجال الدولة، كان السيد وزير السياحة هو أول المتحدثين مؤكدا في كلمته أن الله أراد أن تكون بلادنا مهدا للحضارة التي أنارت الطريق أمام العالم ليستنير بها-

وعلي الرغم من الظروف الاقتصادية الطاحنة التي خلفتها الحروب- إلا أن الله وكأنه اراد ان يكافئ هذا الشعب وهذا الوطن المعطاء شاء أن تكون أرضنا أرضا للمعجزات, وذلك بعدما رأي العالم كيف يعيش الذئب والحمل في قفص واحد لثلاث سنوات متصلة علي أرض بلادنا الطاهرة

وكأن هذا الذئب قد تبدلت طباعه الوحشية متناسيا أن الحمل هو وجبته المفضلة, فهي إذا معجزة بكل المقاييس. كان السيد وزير البحث العلمي هو المتحدث الثاني وبصفته عالم بيطري مخضرم, فقد أكد سيادته أنه تم إجراء الكشوف الطبية وعمل التحاليل المختلفة في أحدث المعامل والمختبرات العالمية, لكلا من الذئب والحمل وجاءت النتائج كلها طبيعية, لذلك فقد حار العلماء في تفسير أسباب هذه الظاهرة.

وأخيرا تحدث السيد وزير الشئون الدينية- والذي لم يعرف عاطف بأي صفة مهنية أو علمية يتحدث في مؤتمر كهذا- وفسر الظاهرة بأن أرض هذا الوطن هي الأرض الطيبة ونموذج مثالي للتعايش السلمي،

أما عن المناخ فهو الأفضل علي مستوي الكرة الأرضية لذلك لم يكن غريباً ان يؤثر هذا المناخ – والذى هو فى الاساس هبة الهية- في الذئب فتنازل راضيا عن طبيعته الوحشية وعاش عن طيب خاطر في سلام مع الحمل الوديع في قفص واحد. ولم يفت السيد الوزير أن ينوه للدور الفعال الذي لعبه النظام الحاكم وعلي رأسه الزعيم الملهم في إرساء قواعد الديمقراطية والحرية في البلاد مما ساعد علي توفير المناخ الملائم لظهور مثل هذه الظاهرة المعجزية كما دعا قادة وعلماء العالم للإقتداء بهذه التجربة ليس لتقويم سلوك الحيوانات فحسب بل ولتقويم سلوك البشر ايضا.

أنتهي المؤتمر بعد الرد علي العديد من الأسئلة التي وجهها العلماء والصحفيون ثم اتجه الجميع خارجا حيث كان في انتظارهم صفوف من الأتوبيسات المكيفة لتنقلهم إلي حديقة الحيوانات بالمدينة لمشاهدة تلك الظاهرة المعجزة. كانت الحديقة مغلقة أمام الجمهور العادي ولكنها كانت شديدة الزحام لتكتل الجميع لمشاهدة قفص واحد. أستطاع عاطف أن يجد له مكاناً في صف متقدم نسبيا لكي يضمن مشاهدة واضحة حيث تسلق شجرة قريبة وجلس فوق أحد فروعها, ثم……

أزيح الستار عن مشهد غريب داخل القفص، الحمل يقف في أمان يأكل بعضاً من البرسيم, وعلي الجانب الأخر من القفص كان الذئب مستلقيا علي ظهره نائما، وبعد دقائق نهض الذئب في تكاسل وهو يفرد قدمية الخلفيتين متمطعا، نظر نحو المشاهدين ثم نظر نحو الحمل فتدلي لسانه وسال لعابه و…….

وخيم الصمت علي الجميع. تسارعت دقات قلب عاطف وهو يتصور الفضيحة التي ممكن أن تحدث،أقترب الذئب أكثر من الحمل حتي كاد أن يلتصق به, قرب أنفه متشمما كل أجزاء جسده ثم عاد إلي مكانه. في ذات اللحظة تعالت الصيحات وألتهبت الأيادي بالتصفيق وسمع عاطف هتافات آتية من الصفوف الخلفية, كانت الهتافات تشيد بالوطن ومآثره مثل عاش الوطن المعطاء, بارك الله أرضنا الطيبة, أرضنا أرض السلام ولو كره الحاقدون.

ولم يفهم عاطف من هم هؤلاء الحاقدون وما علاقتهم بالأمر كله, لكنه علل تلك الهتافات بالانفعال العاطفي الذي يصاحب أي إنجاز يحدث علي المستوي العام. تكرر المشهد عدة مرات ونسي عاطف دوره كصحفي وأخذته المشاهدة والانبهار بينما سارع الآخرون بإجراء المقابلات الصحفية والتلفزيونية مع الجميع.

بعد عودته لمنزله, وعندما بدأ في أعداد تقريره لام نفسه كثيرا لأنه لم يسجل أي حوار يرفقه بالموضوع وتصور أي توبيخ سيقع عليه من رئيس التحرير, لذلك قرر أن يتجه ليلا إلي الحديقة ويحاول عمل شيئا جديدا يختلف عما سيقدمه الآخرون.

قاد عاطف سيارته الصغيرة متجولا في أنحاء المدينة يفكر فيما يمكن أن يقدمه لقراء الجريدة, وبطبيعة الحال كانت حديقة الحيوان هي الهدف الذي يحوم حوله, ولكن ماذا سيفعل بها حتي حارس القفص لن يكون موجودا، وفي النهاية ترك سيارته وترجل متجها نحو باب الحديقة،

كان الحارس الليلي جالسا أمام باب الحديقة وهو يدخن الشيشة. وقف يتأمله عن بعد،لفت نظره كم هو ودود ومعروف لدي المارة الذين كانوا يلقون التحية عليه فيرد عليهم بأحسن منها وبصوت عالي…..

مساء الخير يا عم ششتاوي..مساء الفل يا سيدنا لفندى..اتفضل، شجعته بشاشة الرجل على الاقتراب منه والحديث معه، يبدو في الستين من عمره ولديه مخزون ذكريات لا بأس به… ريبورتاج مع عم ششتاوي الحارس الليلي لحديقة الحيوان، فكرة رائعة …

لن يفكر أحد من الصحفيين في إجراء حديث معه، كلهم أو معظمهم يلهثون وراء كبار المسئولين رغم أن الأحداث دائما ما تبدأ من عند الوظائف الدنيا. مساء الخير يا عم ششتاوي، قالها عاطف مترددا رد التحية بأحسن منها ودعاه للجلوس, فجلس بجواره وعرفه بنفسه… صحفي.؟..

وماله يا بيه الصحافة وناسها علي راسنا من فوق قالها بعين نصف مفتوحة, بينما رائحة الدخان وما داخل الدخان تسد أنف عاطف وقد أدرك أنه ليس مجرد” معسل عادى طال الحديث وأمتد حتي الفجر متطرقا للعديد من الذكريات…..الحيوانات، المديرين السابقين منهم واللاحقين ومغامرات عم ششتاوي في الحديقة علي مدي أربعين عاما…. مش مهم سيختصر الحديث في النهاية ويقصره علي الحدث الاهم. عم ششتاوي ما رأيك في الظاهرة المعجزة التي تحدث في الحديقة؟…………….. ههه…

مش فاهم يا باشا!! اقصد ظاهرة التعايش بين الحمل والذئب لمدة ثلاث سنوات دون أي مشاكل. ضحك ششتاوي ضحكة خافتة ثم تصاعدت لدرجة السخسخة…. حلوة المحبة يا باشا عايشين مع بعض من غير اى مشاكل فين بقي المشكلة؟ لم يفهم عاطف ما يرمي إليه الرجل، يا عم ششتاوي الموضوع بسيط أنا بسألك إيه رأيك في الظاهرة دي, والله يا باشا

أنا مش شايف معجزة ولا حاجة بس هى الناس مكبرة الموضوع شويتين… إزاي يا عم ششتاوي؟؟؟ معروف أن الذئب مستحيل يعيش مع حمل الواقع يقول أنه سيفترس الحمل إزاي تم حل المشكلة دي؟؟ أجاب ششتاوي لأ سهلة يا باشا ما إحنا لامؤاخذة كل يوم بنحط في القفص -ولامؤاخذة يعنى- حمل جديد

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.