كتبت : نازك شوقى إبراهيم
جاءت ثورة السودان نتيجة تراكمات 30 عاماً من حكم خليط بين الإسلاميين والعسكر الذي كان أسوأ تجربة تمر على السودان من حيث حجم الفشل، والتدمير الممنهج، والمعالجات الخاطئة، والفساد المريع، والقمع غير المسبوق.
لأول مرة منذ ثلاثين عاما يجد نظام الرئيس السوداني عمر البشير نفسه في مواجهة أزمة وجودية غير مسبوقة، فبعد سنوات من نجاحه في تشتيت المعارضة المدنية وإلى حد ما “إخماد” التمرد وجد نفسه أمام نوع جديد من المعارضة لم يحسب لها حسابا إنهم الشباب
▪الفئات المشاركة فى الثورة
خرج السودانيون في احتجاجات واسعة بدأت بالتظاهر ضد ارتفاع سعر الخبز، ليرتفع سقف المطالب بعد ذلك لتشمل مطلب إسقاط نظام عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ عام 1989.
شهدت هذه الاحتجاجات مشاركة واسعة لمختلف أطياف الشعب السوداني حيثُ حضرها الكبار والصغار والرجال والنساء ولم يتزعمّها أحد كما شهدت انضمام أحزاب سياسة معارضة وجمعيات أخرى مستقلة وغير حكومية بما في ذلك تجمع المهنيين السودانيين وهو تحالف يصفُ نفسه بالمهني المستقل
• دور الشباب
أكبر فئة شاركت فى الثورة فئة الشباب ، يعتبر السودان من الدول الشابة وفق تقديرات الأمم المتحدة، حيث تبلغ نسبة الشباب نحو 55.6% من مجموع السكان البالغ نحو أربعين مليون نسمة حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان لعام 2017.
على مدار السنوات الأخيرة نمت حركة معارضة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي كان النظام مرتاحا لها باعتبارها تنفيسا يمتص خطر انفجار شبابي في الشارع، لكن وعلى غرار الربيع العربي تحولت الموجة الثورية الافتراضية إلى فعل على ارض الواقع تبنته قوى مجهولة عرفت بتجمع المهنيين لم تستطع السلطات معرفة هويتها، مما دفعها لاتهام عبد الواحد نور أحد قادة التمرد في دارفور والشيوعيين بتدبيرها، وهو ما أثار موجة سخرية واسعة ضد النظام
مما جعل الشباب يفقدوا الثقة في هذا النظام، ولم يعد لديهم خيار سوى الخروج إلى الشارع لإحداث التغيير بأنفسهم مهما كان الثمن.
وفشلت كل محاولات الحكومة في السيطرة على هذا الشبح الافتراضي المسمى تجمع المهنيين الذي كان يحدد زمان ومكان المظاهرات فتخرج في التوقيت ذاته وبالشعارات ذاتها التي يعلنها.
▪دور النساء
تميّزت هذه الاحتجاجات بحضور مكثف للنساء السودانيات واللاتي لعبنَ دورًا أساسيًا في استمرار الاحتجاجات وذلك بفعلِ حضورهنّ الدائم برفقة باقي الشباب والرجال من أجلِ المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة.
إلا ان دور السودانيات لم يقتصر على المشاركة في الاحتجاجات فقط بل لما يقدمنهُ من دعم للثوار من خِلال إسعاف الجرحى ونقل المصابين وكذا المُشاركة في تحميس وتشجيع باقي المشاركينَ من خِلال الزغاريد .
ليسَ هذا فقط بل أظهرت صور ومقاطع فيديو تصدي الشابات السودانيات لعناصر قوات الأمن ومنعهم من التقدم في أحيانٍ كثيرة.
هذه المُشاركة النسائيّة – والتي تُعدّ نادرة في مجتمع محافظ كالسودان – فاجأت النظام الذي شنّ حملة اعتقالات بالجملة طالت عددًا من الرموز أمثال آمال جبر الله عضو الحزب الشيوعي وإحسان فقيري رئيسة مبادرة «لا لقهر النساء» فيما اعتدى على أخريات بالضربِ بالعصي وتعمّد إهانة باقي المتظاهرات.
كان مشهد النساء السودانيات المتكرر، وهن في الصفوف الأولى للاحتجاجات، في معظم المدن السودانية مبهرا للكثيرين، فقد تقدم هؤلاء المسيرات دون خوف، وهن يرددن شعارات “تسقط بس”، حتى أن البعض يعتبر أن المشاركة الفاعلة للمرأة السودانية في تلك الثورة، تمثل نقطة تحول في تاريخ حراكها المضيء عبر سنوات طويلة.
فإن السودانيات قررن مواصلة الطريق، للحصول على حقوقهن، التي يرين أنها هضمت عبر عقود طويلة، من تحكم عدة حكومات متتالية.
٠ فإن دور المرأة السودانية عبر التاريخ تأثر بالمناخ السياسي، وبالسلطة التي لم تسمح لها في معظم الأحيان، بالتمتع بحقوقها السياسية،
معظم الحكومات التي حكمت السودان كانت غير ديمقراطية، وحكومة الإنقاذ الأخيرة، استهدفت المرأة بالقمع بشكل مباشر، عبر عنف الدولة وعنف المجتمع على حد سواء.
والرئيس المعزول عمر البشير، الذي تصفه معظم الناشطات بأنه كان الأعنف في تغييب النساء وتهميشهن من خلال قوانين مثل قانون النظام العام، الذي كان يتحكم في حرية المرأة في السفر، وكذلك في ما ترتديه من زي
رائدات الحركة النسائية السودانية ، قد تظاهرن في أربعينات القرن الماضي، مطالبات بحق المرأة في التعليم والعمل، والأجر المتساوي والمشاركة السياسية، وتعتبر أن كل ذلك مهد لوجود أجيال نسائية متعلمة كما خلق وعيا متدفقا لدى المرأة السودانية.
تعكس تلك التظاهرات ، إصرار الناشطات السودانيات، على إكمال ما بدأنه خلال الثورة الحالية، التي يشهدها السودان، وترسيخ حقوقهن في المشاركة،
وكانت مبادرة (لا لقهر النساء) السودانية، قد نظمت احتجاجا أمام وزارة العدل يوم السبت 20 نيسان/إبريل ، للتعبير عن رفض المرأة السودانية، لجميع القوانين التي تميز سلبا ضد النساء، وحيث طالبت المتظاهرات بعدة مطالب من أهمها المساواة العادلة.
أن تلك المشاركة القوية، للمرأة في الثورة السودانية، والتي شهد بها الجميع، ستخلق بالتأكيد مستقبلا أفضل للمرأة السودانية، دليل ذلك ترى أن الفتيات السودانيات، صار لديهن وعي أكبر بحقوقهن، وقد جميع كما تقول، كيف أصبحن في مشاهد متعددة للثورة السودانية، يعبرن بصوت عال عن أرائهن
▪ انطلاق الثورة
وشهدت العاصمة، الخرطوم، أكثر من 15 مظاهرة في نفس الوقت بمناطق مختلفة، أبرزها المظاهرات الطلابيّة التي خرجت من الجامعات مثل جامعة النيلين وجامعة السودان، بالإضافة للمدارس الثانوية والأسواق الشعبيّة، مثل السوق العربي القريب من القصر الجمهوري .
وتتواصل المظاهرات بشكل يومي، وشهدت عشرات البلدات السودانيّة احتجاجات وحرق لمقار الحزب الحاكم، وجزء من هذه المظاهرات كانت تخرج في ساعات المساء.
إلّا أن التظاهرات، و الاحتجاج كان ثمنه غالياً بسقوط عشرات القتلى حسب أرقام منظمة العفو الدولية، فإنها لم تجلب اهتمام العالمين العربي والغربي، ولم تعلن أيّ دولة دعمها للمتظاهرين، فيما كان «القلق» الدولي محتشماً، ولم يتجاوز حدّ الدعوة إلى إجراء تحقيق في أعمال العنف. حتى نجح ثوار السودان قبل بضعة أيام في اقتلاع رأس النظام المتمثل في عمر البشير ووزير دفاعه في أقل من 48 ساعة.
▪مميزات و ملامح الثورة
ما يميز ثورة السودان أنها كانت ثورة النفس الطويل على مدار أربعة شهور ضرب الشعب السوداني مثالاً حيا على إصرار وجلد أبناء هذا الشعب. ثورة النفس الطويل التي شهدت تخاذلاً عربياً وإقليمياً ودولياً غير مسبوق. خلال الثورة السودانية شهد مسارها صعوداً وهبوطاً مرات عديدة ففي مراحل ما احتشد الآلاف في شوارع وميادين الاحتجاجات إلا أنه في أسابيع أخرى تقلص العدد إلى عشرات ما أدى إلى ظهور تحليلات وتيارات وقتها تشير إلى أن شمس الثورة في طريقها إلى الغروب.
إلا أن الاحتشاد والتحشيد في اعتصام قيادة الجيش الأخير خلال الأسبوع الأخير للثورة هو ما حفّز المتظاهرين وبث فيهم روح الثورة مرة أخرى وزاد إيمانهم بأن حراكهم من الممكن أن يفضي إلى تحقيق مطالبهم.
مع عدم امتثال البشير لمطالب الشارع ووصف المتظاهرين بـ»الخونة والعملاء» تارة والاعتراف بحقهم في التظاهر وبعض مطالبهم تارة أخرى، تيقن المتظاهرون أنه لم يمتثل لمطالبهم عن طريق المظاهرات المتفرقة وإنما لا بد من استمالة الجيش ليكون هو من يحقق مطالبهم بفرضها على البشير وهو ما حدث بالفعل.
ولستة أيام على التوالي استمر الآلاف من المتظاهرين الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم لتحفيز قيادة القوات المسلحة بالتدخل والانصياع لمطالب الشعب.
وما زاد المتظاهرين إصراراً هو إظهار الجيش أنه بجانب الشعب ومطالبهم. لكن وعكس الدعم الذي تلقته ثورات بعض الدول العربية، كان التجاهل هو الطاغي على الصعيد العربي طوال الأربعة أشهر، بل حتى التغطية الإعلامية لما يجري لم تكن بالزخم ذاته الذي اعتادت عليه كبريات القنوات العربية للاحتجاجات.
إن بداية الاحتجاجات السودانية، لم يكن أحد يلتفت لها إلا بأخبار خجولة، «لأسباب كثيرة» وغير مقنعة. والآن بعدما أطاح الشرفاء والشجعان بالبشير وبن عوف.. بدأ البعض يعلن دعمه للسودان وثورته الآبية.
للتاريخ السودانيون أسقطوا أعتى وأفسد نظام في القارة الإفريقية دون دعم أو سند من أحد.. دفع البعض أرواحه ثمنا