مختار محمود
لعلَّ ” مكرم” و “كرم” هما الأكثر سعادة بتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” الذى أظهر حرية الصحافة فى مصر فى مرحلة متأخرة جداً، ولعلهما يتبادلان الآن التهانى والأحضان والقبلات، لأنهما ضَمنا بقاءَهما فترة أطولَ فى منصبيهما.
مصرُ، إحدى الدول الرائدة فى الصحافة، تقفزُ إلى الخلف فى مؤشر “حرية الصحافة”، لتسبقها دولٌ صغيرة مثل: “جزر القمر وموريتانيا”، فهنيئاً للزملاء الصحفيين هناك وطابتْ أوقاتهم، وخلتْ حياتهم من “مكرم” و”كرم”، فالحرية للصحفى كالماء والهواء، إن عدمها صار إلى الموت أقربَ.
لا يخجلُ “مكرم” و “كرم” من أن تتراجع حرية الصحافة فى زمنهما إلى الخلف، وتعود القهقرى، ربما لأنهما يكرهان الجماعة الصحفية كراهية سوداء، فقد خرج الأولُ مطروداً من النقابة، والثاني مذموماً مدحوراً من مؤسسته، وعندما سنحتْ الفرصة لهما للعودة إلى المشهد، عادا لينتقما أشد الانتقام من الجميع.
لن يشعرَ “مكرم” و “كرم” بأدنى حرج أثناء مطالعة التقرير المذكور، الذى حلَّتْ مصرُ فيه بالمركز 163، بعد “جزر القمر” و
تونس” و”موريتانيا”، وقبلَ مركز واحدٍ من “الصومال”، ومراكزَ قليلةٍ جداً من: سوريا واليمن وليبيا وإيران وكوريا الشمالية، وربما يعقدان اجتماعاً سرياً، خلال أيام، يخططان خلاله كيف تحصل مصرُ على المركز 180 و الأخير فى تقرير 2020!
أوضاعُ الصحافة فى مصر، لا تحتاج تقريراً خارجياً ليكشف عوارها وتدهور حالها وانتهاء زمنها بلا عودة، فقد دخلتْ مرحلة الاحتضار والوضع على أجهزة التنفس الصناعى، تمهيداً لإعلان وفاتها رسمياً.. والبركة فى “مكرم” و “كرم”!
بعيداً عن الصحفيين الحكوميين والمقربين والمخبرين والمرشدين والمُتنطعين، فإن قطاعاً كبيراً من الصحفيين يعانى شظف العيش، ولا يستطيع تدبير احتياجات أسرته، وبعضهم انضمَّ رسمياً إلى سوق المتعطلين، ومن بقى منهم على ذمة العمل، يعلم أنها “مسألة وقت” وأن الطوفان قادمٌ لا محالة!!
سوق الصحافة فى مصر “جَبَر”، أرقام التوزيع مخجلة، المحتوى ضعيفٌ ومُتشابه وجبانٌ، الرقيبُ مرابط فى المطبعة، يحذفُ ما لا يروق له، حتى لو لم يكن له علاقة بالسياسة، المهنة فى طريقها للاندثار برعاية شخصية من “مكرم” و “كرم”.
ولكنْ.. هل يُلقى الصحفيون أقلامَهم، ويُمزِّقون أوراقَهم، ويعتزلون المِهنة جَبراً وقَهراً، ويجلسونَ فى الطابق الثامن بالنقابة يجترون آلامهم، أو ينضمون للعمل كسائقين ضمن أسطول “أوبر” أو “ديليفرى” فى مطعم أو صيدلية؟
الإجابة يجبُ أن تكون “لا”، والبحثُ عن حلولٍ عمليةٍ، بعيداً عن الاستسلام لتغيير المسار، وتحقيق أحلام “مكرم” و “كرم”، فى ملاحقة ومطاردة الصحفيين وإذلالهم وتجويعِهم.
الحلُّ قد يكونُ فى تقرير مؤشر حرية الصحافة نفسه، وربما يفكر الصحفيون المصريون، الذين ضاقتْ عليهم الأرضُ بما رحُبتْ، فى اللجوء إلى “جزر القمر” مثلاً؛ باعتبارها الأولى عربياً فى حرية الصحافة، لا سيَّما أنَّ التقاريرَ القادمة من هناك تؤكدُ أنَّ حرية التعبير وحرية الصحافة هناك محميتان بموجب القانون، والأهمُّ من ذلك كله هو أنَّ المشهد الصحفى هناك يخلو من “مكرم” و “كرم”!
وعندما تأخذ “جزر القمر” حاجتها من الصحفيين المصريين اللاجئين إليها، فيمكن لمن تبقى منهم أن يُولوا وجوهَهم شطرَ “موريتانيا”، التى تسبق مصر بنحو 70 مركزاً فى مؤشر حرية الصحافة، ما يعنى أفضلية الأجواء الصحفية على أراضيها التى تخلو بطبيعة الحال من “مكرم” و “كرم”!
أمَّا مَن لم تُمكنهم أدواتُهم أو أعمارُهم من اللجوء إلى “جزر القمر” أو “موريتانيا”، فعليهم أن يترقبوا مصيرهم البائس، ولا يحلموا بمستقبل يخلو من “مكرم” و “كرم”؛ فالقاعدة التى لا تقبل شكَّاً أو جدلاً تقولُ: “إنْ غاب مكرم وكرم، فجميعُهم مكرم وكرم”!