مختار محمود
لا أظنُّ أن الجهات المعنية على علم بالبانرات الضخمة المتناثرة فى أحياء محافظة الجيزة، والتى تحمل عبارة: “كفاحنا من أجلكم.. فكونوا على قدر المسؤولية”، ممهورة بتوقيع المحافظ المُستجد “أحمد راشد”.
وبعيداً عن هذا السفه والإسراف والإعجاب المفرط بالذات، فإن هناك حزمة من الأسئلة التى تطرح نفسها، ليتنا نجد إجابة عنها من المحافظ “المكافح” وهى: أى “كفاح” يا سيادة المحافظ الذى صنعته وتصنعه منذ تعيينك محافظاً لمحافظة الجيزة المنكوبة دائماً بمحافظيها، وسيادتك أحدهم بلا أدنى شك؟! وهل أنت المسؤول الوحيد الذى تمارس دورك الذى تتقاضى عليها أجراً ونفوذاً، حتى يتم رفع “بانرات” ضخمة باسمك فى الشوارع والميادين؟
إن المحافظ الذى تم جلبه من الاستيداع، نهاية أغسطس الماضى، لا يستوعب طبيعة العمل العام ولا تفاصيله، حتى أنه تخيل نفسه “مكافحاً”، لمجرد أنه يعمل، أياً كانت طبيعة هذا العمل، فهل يعتبرعمله خلال الأشهر الستة المنقضية “كفاحاً”؟ أى “كفاح” يقصده المحافظ، وهو لم يفعل شيئاً منذ أن وطأت قدماه محافظة الجيزة سوى الهدم والتكسير والإتلاف والتدمير.. وكل المعانى ذات الصلة؟ هل مفهوم “الكفاح” عند الضابط المتقاعد هو تشريد الغلابة وتخريب بيوتهم؟ أو ليس هؤلاء الغلابة الذين تستأسد عليهم، كل صباح، مصريين؟
اعلم يا محافظ الجيزة، إن لم تكنْ تعلم، أن الكفاح الحقيقى، هو البناء وليس الهدم، التعمير وليس الخراب، الترميم وليس التدمير، وأنت لستَ بانياً أو مُعمراً أو مُرمماً، ولن تكون، لأنك بلغت من العمر ما لا يجعلك تعود مجدداً إلى سواء السبيل.
الكفاحُ الحقيقى، يا محافظ الجيزة، هو أن تتصدى لمافيا الفساد ولكنك تنكص رأسك أمامهم خاضعاً خانعاً ، ولا تستطيع أن تُشهر سيف القانون فى وجوههم، كما تفعل مع الفقراء والمعدومين.. والشواهد كثيرة وحاضرة ومستمرة.
الكفاحُ الحقيقى، يا محافظ الجيزة، هو أن تُعيد الحياة للقرى الفقيرة والمناطق المنكوبة، وأن تقطع أيدى أباطرة تدمير الرقعة الزراعية، وأن تُنهى على المشاكل العالقة منذ سنوات مثل: أزمة مياه الشرب التى تعانى منها مناطق كثيرة جداً.
الكفاحُ الحقيقى، يا محافظ الجيزة، هو أن تسترد “الجيزة” مكانتها المفقودة بسبب محافظيها الذين تعاقبوا عليها والذين كانوا لا يختلفون عنك كثيراً، وأن تضعها على الخريطة السياحية؟
الكفاحُ الحقيقى، يا محافظ الجيزة، هو أن تقضى على فوضى التوك توك وسيارات الأجرة، وأن تفرض حالة من النظام الصارم على ميادين وشوارع المحافظة التى تعج فى فوضى عارمة منذ جئت إليها، لا سيما الشوارع المتاخمة لمكتبك؟
وعندما تنجح فى تحقيق ما تقدم، فهذا دورك الواجب عليك، والذى لا تستحق عليه الشكر ولا رفع البانرات، فأنت تتقاضى أجراً كبيراً نظير عملك حتى لو كان هذا العملُ بائساً فاشلاً، أما أن تُسمى الفشل نجاحاً والجبروت على الفقراء “كفاحاً”، فإن هذا أمرٌ يستلزم مساءلتك أمام الجهات المختصة؟
وأخيراً.. ماذا أنت فاعلٌ – يا محافظ الجيزة- بعد إقرار قانون التصالح على مخالفات البناء، هل سوف تعيد الشئ إلى أصله، وهل تبنى آلاف العمارات التى أمرت بهدمها بدون وجه حق، وهل تُعوض الفقراء الذين شردتهم بـ “كفاحك” المزعوم؟
إننى أدعو الجهات المعنية بأن تحقق فى شأن هذه البانرات: من الذى أمر بها وأى جهة أنفقت عليها وتحملت تكاليفها، وإن كانت جهة غير حكومية فما المقابل الذى سوف تحصل عليه، هذا أولاً، وثانياً: أن يتم مساءلة المحافظ عن أسرار وتفاصيل “كفاحه” المزعوم خلال أقل من نصف العام، وثالثاً: مساءلة المحافظ المعروف شعبياً بـ “أبو الهدد” عن مدى قانونية العمارات التى أمر بهدمها؟ ثم تنظر بعد ذلك كله فى مدى صلاحيته لمنصبه أو تعيده إلى الاستيداع ليمارس “كفاحه” مع نفسه..