مختار محمود
إذا توافقَ أهلُ الرشاد على أهمية التعديلات الدستورية المُقترحة من أجل المصلحة الوطنية العُليا، فلا ضيرَ إذن، ولكن لا بدَّ من إجراء حوار مُجتمعى لإقناع الرأى العام، بدلاً من تجاهل عموم المواطنين أو خداعهم أو التحايُل والتماكُر عليهم، ولا بد أن تكون تصريحاتُ أهل الحلِّ والعقد فى هذه المرحلة يُؤيد بعضُها بعضاً، لأن تنافرها واختلافها وتناقضها يضعُ أصحابَها فى مواقفَ لا يُحسَدون عليها، ولعلَّ التصريحَ الأخيرَ الصادرَ عن رئيس مجلس النواب، كاشفٌ ودالٌ ومُهينٌ فى الوقت ذاته!
أولى الخطوات التى يجبُ الارتكاز عليها فى هذه المرحلة، تتمثل فى عدم الاعتماد على نفس الأشخاص الذين شاركوا فى إعداد دستور 2014 والتهليل له من قبل، فى الترويج لتعديله الآن.
خلالَ الأيام القليلة الماضية.. تمَّ الدفعُ بمجموعة من الأسماء التى كانت تصف دستور 2014، قبل 5 سنوات فقط، بأنه دستورٌ مثالىٌّ مُلهم، ويصلحُ للحالة المصرية ولغيرها من الأمم، حتى يقومَ الناسُ لربِّ العالمين، وهذا تصرفٌ غيرُ ذكىٍّ بطبيعة الحال، لأنَّ من دافع آنفاً عن الدستور، لن يقنع أحداً بأهمية تعديله حالياً. كما يجبُ تلقينُ من يتم تكليفهم بالترويج للتعديلات الدستورية بأن يتوقفوا عن مقارنة مصر بغيرها من الدول المتقدمة التى شهدت تعديلاتٍ فى دساتيرها لأسبابٍ وظروفٍ مختلفة، لأن المقارنة سوف تكون ظالمة لمصر، وتفتح باباً واسعاً للجدل.
أما الخطوة الثانية، فتتجسدُ فى ضرورة وقف ملاحقة “المستمع/ المشاهد”، فى الإذاعة والتليفزيون، بأهمية التعديلات الدستورية، حتى وصل الأمرُ إلى الإذاعات الغنائية والدينية، لأنَّ هذا الإلحاحَ سوفَ يخلقُ قناعة مُعاكِسة ولن يُحقق الهدف المرجو منه.
الخطوة الثالثة تتمثل فى توجيه القائمين على أمر التليفزيون بقنواته: “الحكومية/ المُؤمَّمة” بتنقية شريط الأخبار “نيوز بار” من الأخبار والتنويهات العبثية مثل: “العاملون بالوحدة الصحية بعزبة كذا.. يؤيدون التعديلات الدستورية”، أو “الموظفون بالقرية الفرعونية بالجيزة يوافقون على التعديلات الدستورية”، لأن هذا قمة العبث، وما كان يجبُ إقرارُه أو الموافقة عليه من البداية. والسؤال: هل العاملون بالوحدة الصحية أو الموظفون بالقرية الفرعونية اطلعوا على التعديلات الدستورية وفهموا مغزاها وأدركوا محتواها حتى يوافقوا عليها؟ ثم ما جدوى أن يعلم المشاهد بأن السادة الأفاضل “الموظفين/ العمال”، فى قرية كذا أو عزبة كذا وافقوا أو أيدوا؟ هل موافقتهم أو تأييدهم سببٌ كافٍ لغيرهم حتى يوافقوا أو يؤيدوا؟
الخطوة الرابعة.. هو إجراءُ حوار مجتمعى حقيقى، عبر الشاشات المصرية، وما أكثرها عدداً، للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، عبر وجوه غير محروقة ومُستهلَكة، وقادرة على الإقناع، حتى لو وصل الأمر إلى احتواء بعض الأسماء المعارضة، وقطع الفرصة عليهم ليطلوا عبر شاشات ومنابر إعلامية معادية لمصر، ومنحهم الفرصة كاملة ليطرحوا وجهات نظرهم، والرد عليهم، بدلا من الإفراط فى صناعة خصوم وأبطال من ورق..
إنَّ الترويج للتعديلات الدستورية المقترحة، عبر وسائل الإعلام المختلفة “صحافة/ إذاعة/ تليفزيون”، بهذه الأساليب البدائية والساذجة والفجَّة، يكشف غياب الكوادر السياسية النابهة والقادرة على صناعة مشهد سياسى جاد وصادق ومُقنع ويطرح كثيراً من علامات الاستفهام..