الإثنين , ديسمبر 23 2024
مختار محمود
مختار محمود

دين الإهمال.. ودين الإرهاب .

 

مختار محمود

مع كل حادث إرهابى غشيم، يغضبُ الغاضبون، ويتشنج المُتشنجون، ويثورُ الثائرون، ويتظاهرُ المتظاهرون. ومع الحوادث الناجمة عن الإهمال، يخمدُ الغضبُ، ويزول التشنجُ، وتهدأ الثورة، ويغيبُ التظاهرُ، وتطفحُ ماسورة التبريرات الواهية والأكاذيب المُضللة.

أحدُهم كتبَ يومًا عن الإرهاب وجنوده قصيدة بعنوان: “دين أبوكم اسمُه إيه”؟ مُعلنًا احتجاجه على العمليات الإرهابية، ومؤكداً أنَّ مَنْ يتورط فى عملية إرهابية شخصٌ لا دينَ له ولا عقيدة، واستطاع أنْ يتاجر بها جيدًا مع كل حادثٍ أليمٍ، فهذا سمتُ الشعراء دائمًا، فالشعراء يتبعهم الغاوون، ألا ترى أنهم فى كل وادٍ يهيمون؟

 هذا الثائرُ الغاضبُ يتمكنُ منه الخرسُ التامُّ ومن غيره، مع كل حادث ناجم عن تقصير وإهمال المسؤولين، مثل: حادث محطة مصر، الذى راح ضحيته عشرات الضحايا والمُصابين، وكأنه حلالٌ على الإهمال إزهاقُ أرواح المصريين، حرامٌ على الإرهاب، رغم أن الدم واحد، والضحية واحدة، والوطن واحد.. وقبل ذلك كلِّه، فإنَّ الجُرمَ واحد، تعددت الأسبابُ، والقتلُ جاهزٌ لإنجاز المهمة فى أى وقت، إرهاباً أو إهمالاً..

لماذا نغضبُ من الإرهاب، ونصمتُ عن الإهمال؟ لماذا نستنزلُ اللعنات على الإرهابيين، ونطبطب على المهملين، ونبحث لهم عن مبررات سخيفة وساذجة، ونلتمس لهم الأعذارَ؟

هل هناك فارقٌ بين إرهابٍ يغتالُ المصريين غيلة وغدرًا، وبين إهمال يحصد فى عملية واحدة عشرات القتلى والمصابين غيلة وغدرًا أيضًا؟

لماذا ينتفض وزير الأوقاف مع كل حادث إرهابى، ويُوجِّه بتعميم خطب واهية عن الإرهاب والإرهابيين وسوء عاقبتهم، وأنهم وقود النار، ولا يفعل الشئ ذاته مع حوادث الإهمال ولا يتوعد المهملين؟

لماذا ينتفض مفتى الديار المصرية ويصدر أحكامه على الإرهابيين ويحدد مصيرهم، ولا يفعل الشئ ذاته مع المهملين ومن دفعوا بهم إلى مناصبهم؟

لماذا تخرجُ الآياتُ والأحاديثُ التى تتوعد الإرهابيين القتلة، ولا يتم الاستعانة بالآيات التى تحذر من الإهمال الذى يودى بحياة الأبرياء والمسالمين والغلابة؟

هل السماء تغضبُ فقط عندما يكون القتل عن طريق الإرهاب، ولا تلتفت إلى عمليات القتل بالإهمال؟

هل دماءُ المصريين صارتْ رخيصة مُستباحة إلى هذا الحد، حتى أصبحت ورقة بائسة فى عملية التوظيف السياسى البغيضة؟

هل الدستور المصرى يُحصِّنُ الإهمال، والمُهمل ويحميه من العزل والمحاكمة، وربما يسمح له بتولى مناصب أخرى يواصل فيها إهماله؟

لا دينَ للإرهاب، كما أنه لا دينَ لا للإهمال، ولا دينَ للإرهابى، كما أنه لا دينَ للمُهمل.

وقديماً.. قالوا: “بيت المهمل بيخرب قبل بيت الظالم”؛ وذلك لأن الإرهاب قد يكون طارئًا، ولكن الإهمال عرض مستمر، ويتوارثه مسؤول وراء مسؤول، حتى أصبح نهجاً وعقيدة، وما دون الإهمال هو الاستثناء.. أيها الإرهابيون، أيها المهملون.. دين أبوكم اسمه إيه؟!

 

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.