الخميس , ديسمبر 19 2024

إيليا عدلى يكتب : اليويو – قصة قصيرة

استشاطت هيام غضباً وانفعالاً وهي تحكي لصديقتها عزة عن تصرفات زوجها المستفزة ، وكم تغير بعد خمسة أعوام فقط من زواجهما ، ولم يعد يعاملها كما كان سلفاً أيام خطوبتهما .. لم تعد تجد اهتمامه المعتاد بمعسول الكلام ، نادراً ما يحادثها تليفونياً أثناء عمله بعد أن كان يقطع مسافات الزمن من المساء لقرب الفجر يحادثها ويغازلها ، ويرسم لها لوحات فنية بخياله لكم هي مهمة في حياته ، وكم هي تعيسة تلك اللحظات التى تمضي دون مشاركته صوتها أو رؤيتها .. أشارت هيام نحو دولاب النيش بالقرب منهم: -بصي يا عزة .. شايفة كام دبدوب وعروسة جبهالي في كل المناسبات ! لو عدتيهم .. هتلاقيهم تلاتة وأربعين دبدوب ، وخمستاشر عروسة ، وسبع قلوب ، وتلاتة ميكي !! ضحكت عزة ومالت بدلع برأسها للخلف على مسند الأريكة الفسيحة ، تضع أصابعها على شفتيها برقة: -تلاتة إيه يا حبيبتي؟! ارتفعت نبرة هيام ، ودمعة تهرب من عينها اليمنى: -تلاتة ميكي .. وانهاردة الفلانتاين .. وآدينا داخلين على المغرب أهو ، ولا إتصل يكلمني ولا جابلي هدية .. دا مصيبة لايكون ناسي أصلاً ان النهاردة الفلانتاين .. قاطعتها عزة وهي تهز كفيها ، وترسل شفتيها المضمومتان يميناً ويساراً: -دا تبقى ليلة الست مامته كحلي .. -ولا كحلي ولا بيج يا عزة .. أنا بحبه ، ومش بأعرف أزعله ، ولا ينفع أطلب منه إهتمام بتاع زمان .. دي حاجة مينفعش تتطلب .. فاهماني؟! ترد عزة مستنكرة: -يا بنتي ماهو الراجل مولع لك صوابعه العشرة شمع ، وحارب الدنيا كلها علشان يتجوزك ، بعد أربع سنين حب في الجامعة .. كل الحكاية أنه مشغول في أكل عيشه.. تقاطعها هيام وهي تضرب على فخذيها توتراً: -مش زي زمان يا عزة .. مش زي زمان.. -طب هتفضلي تنوحي كدة كتير؟! -طب قوليلي أعمل إيه .. إنتي صاحبتي الوحيدة ، ووائل جوزك ما شاء الله زي الخاتم في صباعك .. أبقى إزاي كدة مع كريم جوزي؟! وضعت عزة رِجلاً فوق رجل بإعتزاز وثقة: -اليويو.. -يعني إيه..مش فاهمة؟! -استخدمي اليويو.. -إيه الألغاز دي يا عزة؟! إنتي عايزة تفهميني ولا تحيريني؟! -أفهمك بقا..اسمعى.. تعتدل هيام في جلستها وتميل برأسها للأمام نحو عزة ، تجفف عينيها من الدموع بعجلة متوترة ، وتنفتح عيونها بإهتمام وترقب .. في حين تستكمل عزة توضيحها: -إزاي بنلعب اليويو؟ تصرخ فيها هيام بإنفعال: -يووووه .. إيه دخل الزفت اليويو في الوكسة اللي أنا فيها؟! ترد عزة في برود وهدوء: -ردي عليا بس هتلاقي الكلام مرتبط بكريم. -طيب .. بنلف الخيط حوالين اليويو ، وبعدين نرميه لتحت وطرف الخيط في أيدنا ، فيفضل يلف .. -بالظبط .. الراجل زي اليويو ، بعد ما تربطيه بالخيط كويس ، تقربيه منك أوي ، وقبل ما يلزق .. ترميه بعيد ، وإنتي ماسكاه بطرف الخيط كويس .. هتلاقيه بيلف حواليكي وحوالين نفسه زي اليويو.. تفتح هيام فغرها وعينيها بإنبهار ، وكأنها عثرت على حل اللغز: -إيه الروعة دي يا بت يا عزة .. مكنتش أعرف إنك فيلسوفة .. تغمض عزة عينيها ، وترفع حاجبيها في غرور: -أومال يا بنتي .. أنا بنت طول عمري جامدة .. رن جرس الباب ، فأنتفضت هيام واقفة متهللة ، وكأنها طفل ينتظر حدث بهيج : -كريم .. كريم وصل .. نزعت عزة جسدها عن الأريكة ، وأمسكت بيد صديقتها بقوة: -يا بنتي إتقلي وإهمدي .. إحنا قلنا إيه؟!! -طيب .. طيب أخذت عزة حقيبتها من فوق الأريكة استعداداً للرحيل وقالت:

إفتحي ياللا لكريم ، وأنا هأستأذن ، ومش هوصيكي.. قبلتا بعضهما مودعتين: -باي يا هيام.. -باي يا حبيبتي .. ميرسي للنصيحة.. تقابل الجميع عند الباب ، ابتسم كريم لصديقة زوجته: -شرفتينا يا مدام عزة .. تحياتي للأستاذ وائل. -ميرسي .. باي. أخذت هيام حقيبة المكتب عن كريم ، ودخلا وأغلقا الباب .. خلعت عنه جاكت البدلة في حنان ، وضعته على أريكة الصالة .. كانت هيام مرتبكة ومشوشة الذهن ، تفكر في بداية خطة إصلاح زوجها .. لا تعرف من أين تبدأ ، من ربط اليويو ، أو إلقاءه .. وانتظرت زوجها الذي ألقى بدنه المرهق على أريكة الصاله ، وسند رأسه للخلف وأغمض عينيه بغفوة إنهاك واضح. قررت هيام أن تنتظر تذكر كريم مناسبة الفالانتاين ، وربطت تذكره بحبه لها من عدمه ، دخلت المطبخ تعد العشاء ، وتترقب دخوله خلفها ، وبدأت تنسج سيناريوهات تهنئته لها بالفالانتاين ، بعد أن فقدت الأمل في هدية غير موجودة في يده أثناء قدومه ، تخيلته يحضنها بحنان من الخلف ويقبلها برقبتها برقة وعذوبة ، أو يشمر عن ساعديه أطراف قميص يونيفورم البنك الأبيض ، ويساعدها في إعداد العشاء .. كل السيناريوهات الحالمة داخل المطبخ يقابلها الواقع بالصالة ، حيث تغلب نعاس الإرهاق على كريم ، الذي غرق في نوم عميق. خرجت هيام للصالة لترى كريم نائماً وهو جالس .. لا تقل وسامة تقاطيعه وعينيه عنها وهو مستيقظ ، وطوله الفارع يشغل كل المساحة أمام الأريكة الأخرى ، لم تصنع السنوات الخمس في بطنه كرشاً كمعظم الرجال ، لا يزال ممشوقاً أنيقاً. لم ترى هيام في كل المشهد غير نعاسه دون أن يهنأها بالفالانتاين ، واستنتجت أنه نسي المناسبة ، وهذه جريمة عظمى في حق اهتمامه وحبه لها .. الغضب منحها القرار في الخطوة التالية في لعبة اليويو ، وهي إلقاء اليويو بعيداً ، بعد أن شعرت أنها فعلت ما عليها ، واقترب بما فيه الكفاية بحبها ورعايتها ، دخلت المطبخ بغضب وأطفأت الموقد دون أن تستكمل إعداد العشاء ، ذهبت للصالة وجلست على الأريكة المقابلة لزوجها وتظاهرت بالنوم ، حتى يستيقظ كريم ، فتدعي الاستيقاظ وتبدأ مرحلة إهماله المتعمد ، لتنفذ خطة اليويو .. استيقظ كريم بعد ساعتين ، وجد هيام قد نامت بالفعل ومددت جسدها على الأريكة المقابلة ، نهض بهدوء ، تحرك بخفة الغزلان لئلا يوقظها ، دخل حجرة النوم وخرج ببطانية وغطى بها زوجته بهدوء الساحر ، شعر بالجوع الشديد .. وقد كان الجوع هو الفاعل في إيقاظه بقسوة لدغاته ، لم يتناول عشاءه مرة دون زوجته منذ خمس سنوات .. دخل المطبخ واستكمل الطبخ مبتسماً بحب حين فكر كم تتعب زوجته ، حتى أنها لم تريد استكمال الطعام فيأكله طازج حين يستيقظ .. أخذ أطباق الطعام ودخل بها حجرة النوم بخطوات راقص الباليه ، بعد أن أطفأ نور الصالة ، لتنعم هيام بنوم هاديء.

استيقظت هيام في الصباح ، لم تجد كريم على الأريكة أمامها .. رفست البطانية من فوقها بحنق شديد ، هرولت نحو حجرة النوم بخطوات الجرار الزراعي ، استيقظ على اثرها كريم ، فرك عينيه مبتسماً: -صباح الخير حبيبتي .. تسمرت هيام أمام سريره مكتوفة الأيدي على صدرها ، تربت على الأرض بمشط قدمها توتراً وغضباً ، ثم اغرورقت عينيها بالدموع ، وردت بكلمات جافة ، لا تعبر نبرتها عن معناها: -صباح النور.. رفع كريم كتفيه متثاقلاً فوق ظهر السرير ، محاولاً فتح عينيه: -هو في إيه حبيبتي .. خير مالك ؟! -مفيش.. انسحبت هيام من أمامه بسرعة لتزرف الدمع داخل المطبخ ، لم تمض عدة لحظات حتى لاحقها كريم ، وجدها أمام الحوض تخفي وجهها ، أدار جسمها من ذراعها وبعينيه توتر وقلق: -هو في إيه؟! في حاجة حصلت؟! حد زعلك إمبارح؟! نظرت له شذراً آلمه وقالت بحدة: -مفيش. تغيرت نظرة عينيه من الشفقة والحنان إلى غضب الكرامة: -هو في إيه .. ازاي بتكلميني بالطريقة دي؟! -وأنت عايزني أكلمك إزاي يعني؟! أروح أجيب الأبريق النحاس والطشت وأغسل لك رجليك يا سي السيد؟! -لااا .. إنتي اتجننتي خالص. -وسيادتك إخترت مجنونة تتجوزها ليه؟! -كدة الحوار مش هينفع يستمر .. أنا مش متعود أتحاور كدة معاكي .. جرى إيه؟! -براحتك.. رمى كريم الفوطة على الأرض بغضب وخرج إلى الصالة غاضباً ، أخذ جاكت بدلته ، ودخل إلى حجرة النوم ، إرتدى يونيفورم البنك بسرعة ، خرج وهرول نحو الباب ، بعد أن وصل إلى الباب ، عاد نحو المطبخ وصرخ في هيام: -أنا رايح الشغل ، وهأفطر في البنك ، وخدي بالك .. دي أول مرة أفطر من غيرك ، ويا ريت لما أرجع يكون الجنان خف ، علشان أعرف فيه إيه.. نظرت إليه هيام بعيون حمراء من هياج البكاء ، وصرخت: -أتفضل أفطر مع أي حد غير المجنونة .. جز كريم على أسنانه غيظاً ، واستدار إلى الباب مهرولاً ، لكي يحول دون الإستمرار في هذا الحوار القاتل ، ناسياً حقيبة المكتب في الصالة. بعد دقائق خرجت هيام للصالة ، تلوم نفسها على سوء تنفيذ طريقة اليويو ، وفكرت بأنها طريقة تحتاج لبرودة أعصاب ، وضبط مقدار الحب الجارف ، أو قد تكون طريقة أسهل على من لا يحبون أزواجهم .. ظلت تفكر وتحسب ما حدث من سوء تنفيذ ، وسيطر عليها الغيظ كلما تذكرت أن زوجها نسيها في مناسبة الفالانتاين ، حتى أرسلها خيالها لمستنقع الشك ، فكريم طاغي الوسامة وشاب جذاب ناجح ، دار في ذهنها تساؤلات:

-هل يحبني أم ذهب هذا الحب؟ ولكن تصرفاته دائماً حنونة .. قد تكون تصرفات يجيد تمثيلها ليخبيء شيء ما ، ويبعد عن ذهني أنه يحب امرأة أخرى ، أو قد يكون .. لا مش ممكن .. ولما لا؟ وارد أن يتزوج عليا .. لا مش ممكن كريم يعمل كدة .. مش باين عليه أي حاجة من دي .. ده من البنك للبيت ومن البيت للبنك .. وإيه أكد لك إنه بيروح كل يوم البنك يا عبيطة؟ وبعدين ماهو بيروح مأموريات كام يوم برة المحافظة..يانهار أسود!! دا قضى أسبوع كامل الشهر اللي فات في فرع البنك في إسكندرية.. أثناء خيالاتها المستمرة وقعت عيناها على حقيبة المكتب فوق المنضدة ، فقالت: – دا كريم نسي شنطة الشغل ، أول مرة يعملها ، يبقى أكيد هيرجع ياخدها .. وليه ميكنش فيها حاجة كدة ولا كدة تكشف إنه بيلعب بديله؟!! قررت هيام أن تفتح حقيبة كريم وتفتشها .. وبمجرد فتحها وجدت علبة قطيفة حمراء صغيرة ، فتحتها بسرعة لتجد به خاتم ذهبي رائع الجمال .. فشهقت: -وكمان جايبلها دهب يا خاين.. وضعت العلبة جانباً ، استمرت في البحث عن دليل آخر لخيانته ، رفعت عدة أوراق ورفعت عروسة بشكل ميكي ماوس ، مكتوباً على ظهرها: “حبيبتي هيام .. صعب عليا إن معندكيش غير تلاتة ميكي بس ، جبت لك الرابع .. هابي فالانتاين” انفتح باب الشقة في تلك اللحظة ، رجع كريم والغضب على وجهه ليأخذ حقيبته ، هرولت هيام نحو حضنه وغاصت فيه وهي تنوح بحرارة .. تغيرت ملامح كريم فوراً ، وربت ومسح على ظهرها ، وضمها لصدره ، طفقت هيام تعتذر بنواح طفولي بصوت متقطع ، وقالت: -سامحني يا كريم .. أنا ظلمتك .. وكنت هأعاملك بأسلوب يظلمك ، أنا عرفت إني غلطانة .. ومش كل الأزواج وائل .. ولا كلهم كريم .. ارتبك كريم وتحير ، فسألها: هو فيه إيه؟! .. وأسلوب إيه اللي ما ينفعش؟! ضمته لصدرها وقد بللت قميصه بدموعها: -اليويو يا حبيبي!

من كتاب #الفرعون_والمرشد

#إيليا_عدلي

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.