الإثنين , ديسمبر 23 2024

ماجد سوس يكتب: ياللعجب.. لماذا؟

في كل مرة نمر فيها بتجربة عصيبة نتصور أن قلبنا سينفطر من الحزن. يمر الزمن بطيئاً، كأن الأيام دهراً والدقائق عمراً ولابد أن يتحرك الزمن وإن بدا ساكنا بلا حراك . نستيقظ يوماً نجد أنفسنا مازلنا نتنفس، مازلنا نعمل نأكل نشرب بل نضحك أيضا وقد انقشع الحزن والهم مضى بعيداً وقمنا وانتصبنا مرة أخرى .
ثم تأتي تجربة تلو أخرى أو كارثة تلو الأخرى وبسبب ضعف إيماننا ومخاوفنا ننسى مع فعله الله حين اعطانا سلام القلب واجاز علينا قسوة الأيام دون أن ندري كيف مرت. كيف تصورنا يوماً أننا متروكين كيف جرحنا المسيح واشتركنا في آلامه بتجديفنا عليه كم مرة صرخنا في وجهه أما يهمك أننا نهلك تلك الجملة المخجلة التي قالها التلاميذ حين ايقظوا الرب وهو نائم في مؤخرة السفينة.
أنا أيضا يا عزيزي أعترف أمامك أني أرى صورتي هنا في شكي وقلقي في ضعف إيماني أنا هنا أيضاً أسمع صوت نفسي في أذني واتذكره جيداً حين أردد نفس الكلمات “أما يهمك أني أهلك” أتتركني لتنهشني التجارب وأنت تعلم أني ضعيف وعبدٌ لشهواتي.
مر داود النبي بتجربة صعبة في حياته فشاول الملك يريد قتله حسداً وقف داود أمام التجربة مردداً “سأهلك يوماً بيد شاول” تصور معي مشاعر هذا الإنسان وهو يهرب من مكان لآخر هرباً من الموت. ملك بجيش وألوية وقدرات حربية يجري خلف شاب صغير ولكن ماذا حدث، مرت الأيام وشاول الملك هو من هلك على جبل جلبوع، أما داود فأصبح هو الملك ! ياللعجب كأنها من قصص الأساطير غير المنطقية.
إيليا النبي العظيم قامت بتهديده إيزابيل الملكة زوجة آخاب فحزن وخاف وهرب وأختبأ فحزن الرب منه بسبب خوفه وهروبه ولكن ماذا حدث في نهاية التجربة، ماتت إيزابيل مهشمة البدن، أما إيليا فأخذته مركبة نارية إلى السماء هي جسدها أكله الدود وهو صعد بجسده إلى السماء وياللعجب.
مع التجربة أيضاً تجدنا نتذمر لتأخُر استجابة الله لنا ونتهمه أنه لا يسمعنا أو أنه يسمع لأحد ولا يسمع للآخر فتخيل معي موقف أمنا سارة حين سألت الله من أجل ان تنجب طفلا حتى وصلت إلى سن اليأسين بل تخطته إلى الشيخوخة حن أغلق رحمها تماماً بل قيل مات مستودعها وأصبح الإنجاب أمراً مستحيلا تخيل معي مشاعرها تجاه استجابة الله للصلاة. يوم كانت نسبة الحمل صفر هنا تدخل الله هنا استجاب الله هنا لم يعطها طفلا واحداً فقط بل صار نسلها بعدد نجوم السماء ورمل البحر.
قل لي عن أقسى ما كان يحلم به يوسف وهو مُلقى به في البئر أو بعد أن أُلقيَ به في السجن الذي دخله ظلماً وهو متغرب عن أهله ووطنه وقد يقتل بسبب زوجة فوطيفار السيدة الأولى في القصر. قل لي عن صلاته في وسط آلام هذه التجربة وماذا كان يطلب من الله فيها، ثم انتهت التجربة بنتائج عجيبة جدا غير متوقعة وغير منطقية فقد أصبح يوسف السجين الرجل الثاني في المملكة بعد فرعون في دولة من أكبر دول العالم .
تعالوا معي لنرى امرأة أممية أي ليست من شعب الله امر بتجربة صعبة جداً يموت زوجها شاباً تعيش بلا أهل متغربة عنهم وعن أرضها لنبل أخلاقها لا تترك حماتها رغم أنها لم تنجب من ابنها أولاداً إنها راعوث المؤابية التي لم تجد في وسط هذه التجربة القاسية أن تعمل كالعبيد في عمل بسيط من أجل لقمة العيش ولتعول حماتها كالعبيد تعمل في عمل بسيط من أجل لقمة العيش هنا يتدخل الله وتجد نعمة في عيني سيد الكرم اليهودي بوعز فتصبح العبدة الأممية جدة لداود النبي ويأتي من نسلها يسوع المسيح الله الظاهر في الجسد فالعبدة مُرّة النفس أصبحت جدة يسوع وياللعجب!.
الأمثلة كثيرة جدا لعمل الله إله المستحيلات مع البشر بالرغم من أنه مرت علينا أيام شككنا في هذا ولاسيما حين تغلق الأبواب فيغلق الأمل وينتهي الرجاء ويتسرب اليأس وفجأة يدخل الرب ومعه المنفذ والأبواب مغلّقة ويشق بابا صغيرة ولو في صخرة صمّاء لا تصلح ليمر بها بابا فتتحول الضيقة إلى فرح لا يوصف ونسبح بكم صنع بنا الرب.
شكراً يارب على إحساناتك التي لا يعبر عنها شكراً على الخمس خبزات والسمكتين التي تشبعنا بهم آلاف المرات . شكرا على الطريق الذي تشقه حين يكون البحر أمامنا والعدو خلفنا. شكراً على الأسوار الحصينة التي تسقط حين ندور حولها وتخور قوانا حينها تهدمها لنعبر .
عزيزي لا تسألني كيف يفعل الله هذا لأنك تعرف قدرته لكن سلني لماذا، لماذا يفعل الله معي هذا الصنيع العظيم وأنا لا أستحق ، لماذا يرد لي الإساءة والتذمر وضعف الإيمان والتشكك بكل هذه المراحم، أيحبني بكل هذا الحب وأنا بكل هذا الضعف!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.