د.ماجد عزت إسرائيل
في 8 فبراير 2019م تحل علينا الذكرى السنوية الأولى للصديق العزيز سمير سامى معوض صالح، ولد بمدينة حلوان التابعة لمحافظة القاهرة،فى10 يناير1962م،لأسرة قبطية متوسطة تعود جذورها إلى الصعيد؛ وفي إحدى مدارس مدينة حلوان تلقي تعليمه بها،وعرف عنه تفوقه وحبه للعلم وتعلم اللغات وفنون كتابة الخط العربى بكل أنواعه،وبعد أن تخرج من من مدرسة المعلمين بحلوان،ولتفوقه العلمى إلتحق بالجامعة،وبعد تخرجه عمل مدرساً ناحية مدينة الصف، ومنطقة كفر العلو ومدينة حلوان وتوابعها،وفى عام 1994م،ساهم كاتب هذه السطور في إلتحاقه بكلية التربية قسم لغة أنجليزية بجامعة حلوان(كان مقر هذه الكلية بالزمالك بالقاهرة)، وبعد تخرجه قبل نهاية القرن العشرين عمل كمدرس لغة إنجليزية بإحدى المداس الإعداية والثانوية، وحصل على العديد من الجوائز لمدرس مثالياً بمدينة حلوان،ومتعه الله بموهبة كتابة الشعر والقصص القصيرة والمأثورات،وظل في عطائه حتى رحل عن عالمنا الفانى فى 8 فبراير 2018م.
وبهذه المناسبة نريد أن نتحدث عن الصداقة التي تعدّ من أكبر النعم التي قد يحصل عليها الإنسان في حياته، فعن طريقها يشعر الشخص بالأمان والطمأنينة،لأن هناك شخصٌ يقف بجانبه ويسانده في المواقف الصعبة التي قد تواجهه، وهنا نؤكد على أن الصداقـة ليسـت تعـارفـاً بين أشخـاص، وحفظ أسمـاء،وابتسـامـات،وزيـارات،وروايــات،يتبـادلهـا،الأفراد فيمـا بينهم.أنما الصداقة كما ذكرها أفلاطون حيث ذكر قائلاً:” الصداقة بأنها علاقة محبة متبادلة بين الأنا والغير، والمبدأ الأساسي في هذه العلاقة أن الإنسان يعيش في حالة وجودية وسط بين الخير وهو الكمال المطلق، والشر وهو النقص المطلق، وما دام أنَّ الإنسان الذي لديه صفات الخير في غير حاجة إلى الغير لأنه يكتفي بنفسه وشخصه، ومن يتصف بالشر لا يُحب اكتساب أي نوع من الكمال، فإن من يعيش في حالة الوسط هو نفسه الذي يبحث عن الخير لدى غيره من خلال إنشاء علاقة صداقة معهم”. وقد قسم أرسطو الصداقة إلى ثلاثة أنواع وهي: االصداقة الأولي وهي المبنية على أساس المنفعة حيث يتم تحديد قيمتها في نظر الأفراد بمقدار ما يستطيع الفرد أن يحصل مقابل ما يعطي لغيره،أما الصداقة الثانية من أجل المتعة حيث يتم تحديد قيمتها بدرجة الشعور بالسعادة والبهجة والألفة عند الحديث مع شخص آخر.أما الصداقة الثالثة فهي من أجل الفضيلة: هي الصداقة التي تنشأ بين أفراد المجتمع الطيبين الذي يحبون بعضهم البعض لأنهم طيبون.فأى نوع من هذه الصداقات تفضل عزيزى القارىء؟
أما الصداقة في الكتاب المقدس فقدم لنا الرب يسوع تعريفاً للصديق الحقيقي حيث ذكر قائلاً:” لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي” (يوحنا 15: 13-15).وهناك نماذج عديدة للصداقة بالكتاب المقدس نذكر منها قصة داود ويوناثان،عن الصداقة النقيّة والواضحة والمتأصلة بعنوان الوفاء حتى النهاية “فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ: «اذْهَبْ بِسَلاَمٍ لأَنَّنَا كِلَيْنَا قَدْ حَلَفْنَا بِاسْمِ الرَّبِّ قَائِلَيْنِ: الرَّبُّ يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِي وَنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ».”(1صموئيل 20: 43).كما ذكر المتنيح قداسة البابا شنودة في كتابه “كلمة منعة عن الصداقة فذكر قائلا:” صديقك الحقيقي هو الصادق في حبه.ليس في صداقته رياء، ولا مظهرية، ولا تصنع، ولا شك، كل مشاعره صادقة تمامًا وحقيقية. والصديق أيضًا صِدِّيق (بتشديد الدال) أي رجل بار.أما الذي يزاملك في الخطية، فليس صديقا بالحقيقة، إنما هو شريك في حياة خارج الله.لذلك هناك فرق بين كلمة صديق، وكلمة رفيق.قد تجتمع الصفتان أحيانا في شخص واحد. وقد يرافقك إنسان دون أن يصادقك. هو مجرد زميل. الصديق الحقيقي هو الأمين على سرك.وكما قال الحكيم يشوع بن سيراخ: “ليكن المسالمون لك كثيرين، وأصحاب سرك من الألف واحدًا”( سفر يشوع بن سيراخ 6: 6).والحقيقة أن العزيز سمير سامى كان يتمتع بالعديد من هذه الصفات الحميدة والتى تحملها لنا مفاهيم ومعانى الصداقة.
وهنا اود أن أسجل بعد المواقف للراحل العزيز سمير سامي تؤكد على سمات الصديق الجديد، وكيف نتعلم منها حيث حكي لي في تسعينات القرن المنصرم مرة أكتشف زميل له يقوم بأخذ الكتب أو المجلات أو الجرائد – كان سمير يوميا يحمل في حقيبته الجرائد والملات والكتاب – ومع تكرار هذا الموقف مئات المرات،أخذ أبو السماسم يفكر، ماذا أفعل لأنهاء هذا الزميل عن ما يفعله؟، ففكر في وسيلة لاتجرح الزميل عن طريق كتابة اسمه على الجريدة أو المجلة أو الكتاب، ولكن هذه الوسيلة فشلت، فاستحدث وسيلة تحمل معانى للتنبيه والتذكر بوعد الله حيث كتاب سمير على كتبه ومجلاته عبارة “يا حرامى أنا شايفك، ومن وصايا الرب لاتسرق!” ،ولكن بعد كتابته هذه العبارة لم يتكرار،وأيضًا ذات مرة تعرض زميل له بأزمة مالية كبيرة نتيجة ظروف اجتماعية كانت تمر بها أسرته،فأخذ سمير يجمع بعض التبرعات المادية من الزملاء،وأخذ يبحث عن وسيلة لأعطائه عن هذه الأموال بطريقة مهذبه فكتب من سفر المزامير(124: 8) عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ، الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ”. كان سمير لايتوانى لحظة واحده عن زيارة المرضي أو المشاركة في الأفراح والأحزان،وهنا أريد أن احكى قصة جميلة توفى له صديق عزيز مسلم وذهب لإداء الواجب فقال له أحد المشاركين بالطبع مش هينفع تدخل الجامع للصلاة، فرد سمير قائلاً:”أنتم صلوا عليه في داخل الجامع،أما أنا فاصلى عليه من خارج الجامع لأن الرب يسوع علمنا قائلاً:” فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ.” (رو 12: 15).
أخيراً،لعنا بهذه المواقف نتعلم من العزيز الراحل معنى وقيمة الصداقة الحقيقة،وأهمية مشاركة الآخرين والأصدقاء مواقفهم.وهنا نقدم العزاء لأسرة العزيز سمير والدته وأخواته،وزوجته السيدة نرجس سعيد”،وبناته مريم،ومى”،ونتذكر ما ورد بالكتاب المقد قائلا:”كَانَ مَحْبُوباً عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ، مُبَارَكَ الذِّكْرِ، فَآتَاهُ مَجْداً كَمَجْدِ الْقِدِّيسِينَ” (سفر يشوع بن سيراخ 45: 1، 2).