مختار محمود
فى الحياة أمورٌ كثيرة جديرة بالاهتمام والكتابة وإلقاء الضوء عليها.
فى مصر أشخاصٌ يعملون بهمَّةٍ عاليةٍ، لا ينتمون إلى فريق، ولا ينخرطون فى “شلِّة”، هدفهم واحدٌ هو تحقيقُ أقصى طموح وإحرازُ أعظم نجاح، لأنفسهم ولمن حولهم ولوطنهم.
فى السنواتِ الأخيرة.. تحوَّلَ كلُّ صاحب حساب على مواقع التواصل الاجتماعى إلى ” مُنظِّر سياسى” و “خبير إستراتيجى”، يتحدث فى كل شئ، ويفتى فى أى شخصى، حتى اختلطتْ الأوراقُ، وتاهتْ الحقائقُ، وأصبح لها أكثرُ من وجهٍ، والذين يعجزون منهم عن التعبير يستعينون بصديق، وينقلون عنه منشوراتهم المغرضة والملونة.
ما لهذا خُلقت المنصَّاتُ الألكترونية، ولكنَّ المصريينَ يملكون قدراتٍ مُتناهية على إفساد أىِّ شئ، وتحويله من مساره الصحيح إلى مسار خاطئ وبائس ومُدمر.
غلمانُ “الفيس بوك” وصبيانُ “تويتر” لم يشبِّوا بعدُ عن الطوق ولن يشبوا، هم ارتضوا لأنفسهم هذا الدور الرخيص.
يتوهمون أنفسهم – وهم داخل بيوتهم- زعماء وجنرالات وقادة قادرين على تغيير وجه الحياة والعالم أجمع.
هم لا يدركون أنهم وما يتقيأونه عبر تلك المنصَّات ليسَ أكثرَ من مجرد وهمٍ وعبثٍ ودوران فى الفراغ.
هم يعيشون داخل واقع افتراضى لا وجود له على أرض الواقع.
الصغارُ فكراً ورُشداً لا يضعونَ السياساتِ ولا يُوجِّهونَ الحكوماتِ ولا يبنون الدولَ، ولا يشيدون مستقبلها؛ ومن ثمَّ.. فلا يجب أن يكون لـ”تفاهاتهم وتوافههم” مجالٌ للمناقشة عبر الصحف السيَّارة والبوابات الألكترونية المُعتمدة، والبرامج التليفزيونية.
الفوضى التى أعقبت ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، كان يحركها ميلشيات ألكترونية. وأعمالُ التخريب التى سادتْ وطالتْ جهاتٍ ومواقعَ عديدة كان وراءها أيضاً جيلٌ من صغار العقول والضمائر.
أرشيفُ الصحافة المصرية “حكومية/ خاصة” يشهدُ بأنه تمَّ التمكين لبعضهم للكتابة والتنظير والظهور إعلامياً بكثافة منقطعة النظير.
أحدُ المُدانين بُحكم نهائى فى حريق “المجمع العلمى” تعاقدتْ معه إحدى الصحف لكتابة مقال أسبوعى نظير 9 آلاف جنيه “قبل التعويم طبعاً”، وهو رقم فى سوق العاملين بالصحافة لعظيمٌ لو كنتم تعلمون، كما كانت برامج الـ “توك شو” تتهافت عليه، كلَّ مساء، نظيرَ مبالغَ مادية سخيَّة.
كفى بالتاريخ واعظاً فى أمور الحياة بصفة عامة، والسياسة بصفة خاصة، ومن لم يعتبرْ من الأيام والليالى فلا يلومنَّ إلا نفسَّه، وينطبق عليه المثلُ الشائعُ: “على نفسها جَنتْ براقش”!
من أجل ذلك.. لا يجبُ أن تكرر وسائلُ الإعلام أخطاء الماضى “القريب جداً”، ولا تجعلُ من نفسها مطيَّة لأصحاب الهوى المريض والأجندات الخارجية.
اكتبوا عن الخير والحق والجمال، اكتبوا عن ذوى الهمم العالية الذين لا ينتظرون جزاءً أو شكوراً، اكتبوا عن البناءين الحقيقيين، اكتبوا عن صُنَّاع المعروفِ، اكتبوا عن أصحاب المبادرات الاجتماعية والوطنية التى تبنى ولا تهدم، ولا يعرفُ أحدٌ عنهم شيئاً.. أما الهدَّامون “إياهم”.. فلا تكرروا أخطاءكم معهم مجدداً، اتركوهم ينبحونَ ويتصايحونَ، فمصرُ أكبرُ منهم وممن يحركونهم ويدفعون لهم..