الجمعة , نوفمبر 22 2024
الشيماء حسن
الشيماء حسن

الشيماء حسن تكتب : لماذا لا نستطيع الانفطام !

 

هل تشعر برغبة دائمة فى الاحتفاظ بالاشياء القديمة ؟ هل يجرفك الحنين كل فترة للجلوس معها والبحث عنها ؟ هل تحتفظون بالاشياء التى ينبغى رميها كالعلب الفارغة , الاكياس البلاستيكية ، الالعاب القديمة ، الملابس الصغيرة

هل تقومين فى كل عيد بحملة تنظيف لتجدى ان بيتك ملئ بالاشياء التى احتفظتى بها دون ان تدركى لما فعلتى ذلك او ظنا منك انك يوما ستحتاجينها ولا يأتى هذا اليوم ولا تتخلصى منها ؟هل يؤذيكِ منظرها كثيرا او تحتل مساحة من بيتك ؟

اذا كان الجواب نعم اذآ لماذا لا تتخلصين منها بسهولة ؟

اليس تشبثنا بهذا الاشياء رغم عدم حاجتنا اليها او ضررها لنا احيانا هو ” تعلق “

نتربى نحن على التعلق لا نفرط فى شئ مهما كنا فى حالة عدم احتياج اليه لكننا نظن انه اصبح جزء منا يصعب علينا فقده فلا عجب ان تجد معظم البيوت المصرية متشابهة وكانها نسخة مكررة جميعنا نتعايش مع كم من الاشياء التى نسميها فى لغتنا الدارجة ” كراكيب ” ومهما كانت مؤذية للمنظر ومهما احتلت جزء غير يسير من بيوتنا فلا نتخلى عنها هى ثقافة واحدة يتوارثها افراد الشعب المصرى وتمر من جيل الى جيل وكأنها وصية مسلم بها لا تحتاج الى سجلات رسمية .

حتى انى اتسائل هل التعلق جزء من ثقافتنا وتربيتنا ام انه جين عربى متوراث عبر الاجيال

” احتفظ دائما باشياءك القديمة فهى التى تمثل ذكرياتك ”

لا يتوقف التعلق على الاشياء بل اصبح سمة فى العلاقات بالنظر حولك ستجد ان الكثير من العلاقات المشوهة لا يستطبع اطرافها التخلى عنها ! لماذا ؟ ببساطة لان كل طرف متعلق بوجود الاخر وليس لديه قدرة على الانفصال !

هل تشعر برغبة عارمة فى السفر والبحث عن فرصة للحياة خارج حدود الاوطان ؟

هل راودك حلم السفر واتتك الفرصة ولم تستطع اغتنامها يقينا منك انك لن تحتمل الغربة بعيدا عن اهلك واصدقائك وبلدك ؟

ام هل استطعت الهروب !

هل تشعر الان بـ رغبة عارمة فى الرجوع ؟

هل يجتاحك الحنين الى الاشياء القديمة والبيت والعائلة على رغم من تمردك عليهم سابقا !

هل حصلت على عمل واستقللت بحياتك ! هل تواصلت مع اناس من كل بلدان مختلفة وثقافات متعددة ومع ذلك تشعر بالوحدة ؟

ماذا اذا صاحبك بضع من اهلك فى سفرك هل يزول ذلك الاحساس بالحنين الى الرجوع ؟

هل الوطن ارض ام ناس ؟

هل حان وقت الاجازة من العمل ! هل يرتب الجميع من حولك لقضاء عطلة سعيدة ! هل يخططون للسفر او القيام باالانشطة المختلفة بينما انت ترغب فقط فى العودة الى ديارك !

هل تتساءل لماذا روحك تنجذب الى وطنك بينما هؤلاء الغربيون منشغلون بذواتهم ومستقبلهم ولا يشعرون بالحنين مثلك الى اراضيهم ؟

هل اتعبتك بلادك كثيرا واورثتك خليط من احاسيس القهر والهوان والدونية حتى بحثت عن ذاك المهرب !

ماذا بعد ان وفرت لك تلك البلدان حياة ادمية والكثير من الخدمات والرعاية هلى مازلت تفتقر للامان !

هل الامان اهل وعائلة ام عدالة اجتماعية سائدة وقانون يسرى على الجميع ؟

تساؤلات كثيرة تدور بالاذهان وتهاجمنا الافكار لكن اليقين اننا من اكثر الشعوب احساسا بالغربة داخل الحدود او خارجها لا لشئ الا لاننا نتربى على حب الارض ومفهوم الوطن المتمثل فى الحياة مع اناس تشابهنا لغة وجنس وعادات وثقافة مما يجعل الاختلاف يرهبنا نتربى على التعلق باهالينا واولادنا واصدقائنا فتصبح القرارات الحياتية العادية مصيرية بالنسبة لنا فافكار مثل الاستقلال وتغيير مجال العمل والارتباط بـ شركاء حياة ارهاب لنا

لذا لا نقبل على مثل هذه الخطوات بسهولة واذا حدث يحدث بعد مشاورة الجميع

بنظرة الى بيوتنا نرى كم ان الام المصرية متعلقة بيتها وعائلتها حتى لتنصهر تماما فى خدمتهم ورعايتهم ولا تشعر بالرضا عن ذاتها الا حين تستهلك كل طاقتها وتشعر بالانانية المفرطة وجلد الذات اذا شعرت بالارهاق واحتاجت الى وقت خاص بها لكنها مع ذلك تربى كائنات طفيلية تتعلق بذيلها اينما ذهبت وحيثما توجهت غير قادرين على رعاية وخدمة انفسهم او حتى معرفة اماكن اشيائهم الخاصة غير قادرين على الوقوف دون ان تمسك بايديهم .. وكأنها تخشى ان افلتتهم ان تضيع قيمتها وكأنهم يخشون ان افلتوا يدها االاعتماد على ذواتهم خوفا من الفشل او افتقار للامان وتعود على الاتكال والاستنطاع مع مرور الايام .

التعلق افة العلاقات العربية

فلنذهب بعيدا الى تلك الثقافات الغربية نجد ان المفهوم السائد للانجاب لا يحمل معنى التملك يعى الغربيون تماما ان الانجاب هو وسيلة لاستمرارية الحياة ومحور التربية ورسالتها هو بناء انسان محب للحياة وقادرعلى البقاء والتعامل مع صعوبات الحياة واتخاذ القرارات المصيرية

لذلك نجدهم يفطمون ابناءهم من سن صغير فيتحمل الابناء المسئوليات منذ سنوات المراهقة ويخرجون للبحث عن عمل والتكفل بمصاريفهم الشخصية

قد يفسر ذلك رؤيتنا للكثير من السياح الاجانب ” الخواجات ” كما يحلو لنا تسميتهم وهم يمارسون الاستقلال عن العائلة بيقين انه المفهوم الطبيعى للحياة ونراهم يتنقلون بين جنبات العالم بسهولة مفرطة دون ان يقتلهم الحنين او يأكلهم شعور الغربة والوحدة .

ويفسر ايضا قدرة الابناء على الاستقلال المادى منذ سن صغير بينما لدينا الابناء هم اطفال وان بلغوا من العمر ارذله

اتذكر مشهد ادهشنى كثيرا من فيلم اجنبى تتبرع فيه الام لولدها بـ ” تحويشة عمرها ” للتعلم فى جامعة مرموقة وسط محاولات لرفض الابن ثم قبولها على استحياء وبشعور الامتنان لامه التى تضحى بـ ” مالها الخاص وامانها المادى من اجله ” لانه يعرف جيدا ان هذا واجبه كانسان مسئول ويفهم المسافة الفاصلة بين الامان العائلى وبناء ذاته ثم اقارنه بـ مشاجرة عائلية مصرية رأيتها بعينى لاحد الابناء فى العقد الثالث من عمره مع والديه معاتبا اياهم على عدم التكفل بمصاريفه ومعهم من الاموال ما معهم وباحساس الحق المكتسب والشعور بخذلان والديه له كيف لا يعطونه اموالهم ليعيش حياته كما يحلو له طالما انهم يملكون

هذا ليس حال هذا الابن فقط بل يعكس ثقافة عربية سائدة يتربى فيها الابناء على التعلق بذويهم والاستنطاع المادى دون اى احساس بالخزى

وهذا يفسر تلك الظاهرة الغريبة التى لا نراها سوى فى البلدان العربية والتى يعتمد فيها الابناء وهم رجالا وفتيات اشداء اعتماد كلى على اهلهم فى تجهيزهم للزواج حتى تحول الموضوع الى مزاد علنى تتبارى فيه العائلات الى اظهار مدى كرمها وحبها لابناءها حتى لو تكلفوا اكثر من طاقتهم وتحول معه الابناء الى مصاصى دماء لا يعنيهم سوى اخذ كل ما تناله ايديهم دون مبالاة لمعاناة اهاليهم .

ثم تحول الامر الى منافسة شرسة وحرب متبادلة بين عائلتى النسب يتنمر فيها كل طرف على الاخر ويعايره بما يجب عليه ان يقدمه حتى تحول الزواج الى مظاهر استهلاكية طاحنة

الظاهرة التى تحولت مع مرور الايام وتدهور الاحوال الاقتصادية الى كارثة تحيط بنا فكم من الامهات القين فى غيابات السجن فقط لمحاولتهن تجهيز بناتهن بشتى الطرق رغبة فى “سترهن” او بالاحرى نقل مسئوليتهن الى اخرين وكأنهن حمل اثقل ظهورهن الامر لا يقف عند الفتيات بل يطول الذكور ايضا فلم تعد الاسر قادرة على مساعدة ابناءهم ولم يعد الابن قادرا على مجابهة الحياة وحده والزواج دون مساعدة لذا اصبح الزواج فقط لمن استطاع اليه سبيلا وظهرت محاولات للحد من تكاليفه كحملات الغاء الشبكة والنيش سابقا وحملة خليها تعنس المتصدرة حاليا والتى كشفت عن كثير من الفجوات بين الجنسين واظهرت اسوء ما فى الجميع ولم يتطرق احد مثلا الى التفكير فى بدايات بسيطة يتحمل فيها الطرفان فقط مسئولية ارتباطهم دون تكاليف باهظة ودون اى تدخل عائلى فى تحمل تكاليف ارتباطهم وبالتالى فى شئون حياتهم لكنه الهروب من المسئولية وعدم القدرة على الاعتماد الذاتى والانصهار فى العادات المجتمعية والثقافة التى تأكل الجميع وكأن تلك الحملات قادرة على الحل لكنها مجرد خزعبلات لن تنجح فى علاج اصل المشكلة

فقط نسى الجميع ان المنظومة باكملها عطنة بكل تفاصيلها فقط ربت الاسر كائنات طفيلية لا تستطيع الاعتماد على نفسها حتى لانهم اذا ما تزوجوا وانجبوا لازالوا يرضعون من دم اباءهم ، وتوارث الاباء اعتقاد بتملك ابناءهم فاستهلكوا طاقاتهم فى التعمق فى تفاصيل حياة ابناءهم والتدخل فى كل شئونهم واختلط الحابل بالنابل وارتفعت معدلات الطلاق وعزف الكثير عن الزواج تفاديا للمشكلات .

وسوف تسوء الاحوال اكثر اذا لم تتغير ثقافتنا وتتمحور اهدافنا الى بناء انسان مستقل

ونفهم ان ” الحياة تبدأ مع الفطام ”

ونتعود صنع خبزنا وقهوتنا بيدنا بدلا عن التعود على خبز امهاتنا وقهوتهن ثم الحنين اليه ابد الدهر

مضى عامانِ يا أمّي

على الولدِ الذي أبحر

برحلتهِ الخرافيّه

وخبّأَ في حقائبهِ

صباحَ بلادهِ الأخضر

وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر

وخبّأ في ملابسهِ

طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر

أنا وحدي..

دخانُ سجائري يضجر

ومنّي مقعدي يضجر

وأحزاني عصافيرٌ..

تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر

عرفتُ نساءَ أوروبا..

عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ

عرفتُ حضارةَ التعبِ..

وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر

ولم أعثر..

على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر

وتحملُ في حقيبتها..

إليَّ عرائسَ السكّر

وتكسوني إذا أعرى

وتنشُلني إذا أعثَر

أيا أمي..

أنا الولدُ الذي أبحر

ولا زالت بخاطرهِ

تعيشُ عروسةُ السكّر

فكيفَ.. فكيفَ يا أمي

غدوتُ أباً..

ولم أكبر؟

  • الشعر لنزار قبانى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

تعليق واحد

  1. توصيف بلا حل وتشخيص بلا علاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.