حدثت تلك المظاهرة اثناء أزمة مارس 1954 التي لم تكن مجرد صراع علني علي السلطة بين محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة بل كانت الأزمة أكثر عمقا ، كانت صراعا بين اتجاهين مختلفين اتجاه يطالب بالديمقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقا للمبدأ السادس للثورة (إقامة حياة ديمقراطية سليمة) ، وكان الاتجاه الآخر يصر علي تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة على الصحف وفرض النهج الاستبدادي السلطوي في التعامل مع الشعب .
كانت ضربة البداية في أزمة مارس من جانب محمد نجيب الذي قرر التعجيل بعودة الحياة البرلمانية تمهيدا لعودة الجيش الي ثكناته ، وفي ليلة 5 مارس صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره ، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين .
كانت هذه القرارات في صالح عودة الحياة الديمقراطية، وهنا أدرك الفريق المعادي لمحمد نجيب أن كل الخطط التي أعدت للإطاحة به مهددة بالفشل، فبدأ يدبر مخططات أخرى من شأنها الالتفاف على قرارات 5 مارس والعودة إلي الحكم الفردي .
و بينما كان الرئيس نجيب منشغلا مع الملك سعود بن عبد العزيز الذي كان يزور مصر وقتها ، كان معارضوه يدبرون لتوجيه الضربة القاضية ، فنشرت الصحف المعاديه له أن هناك اتصالات سرية بين محمد نجيب و حزب الوفد وجماعة الاخوان المسلمين .
في يوم 28 مارس 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب المدنية ، ودارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها «لا أحزاب ولا برلمان»، ووصلت الخطة السوداء ذروتها ، عندما اشترت مجموعة عبد الناصر صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل ودفعوهم إلى عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات ، وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون “تسقط الديمقراطية تسقط الحرية” ، وقد اعترف الصاوي لاحقا بأنه حصل علي مبلغ 4 آلاف جنيه مقابل تدبير هذه المظاهرات و اسفرت تلك المظاهرات عن الغاء كل ترتيبات الانتقال الديموقراطي للسلطة في مصر ..
ربح أعضاء مجلس قيادة الثورة المعركة ضد محمد نجيب الذي بدا عاجزا عن مقاومتهم ,
والواقع أنها لم تكن خسارته فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل ، لكن نجيب أراد الاستمرار في منصبه إنقاذا للبلاد من حرب أهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع السودان …
وفي يوم 14 نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية، وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فصرخ في وجه حسين عرفة طالبا منه الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري ، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي ، لاحظ محمد نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران ، فاتصل هاتفيا بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث ، فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته ..
وجاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل «أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهم «أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا». وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته ، لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما ذاق خلالها ألوانا من العذاب …