ماجد سوس يكتب : المشكلة في التفاحة
31 يناير، 2019 مقالات واراء
مات في عز شبابة، ماتت دون أن تمرض، فقد حياته في عقده الثاني، لم يستطع الخروج بسبب الحريق فمات مخنوقا، صدمته سيارة أو نام وهو يقود سيارته أو نام ولم يستيقظ إنها فواجع مأساوية تكسر القلب وتحزنه كل هذا بخلاف كوارث الحروب والإرهاب والجرائم المنتشرة حولنا ولا ننسى الكوارث الطبيعية التي ازدادت أيضاً بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة من زلازل وبراكين وعواصف وفيضانات ثم يأت مع كل هذا المرض الذي يأكل في أجسادنا ونفوسنا كل هذا مجتمعين أو منفردين يجعلنا نقف حائرين مذهولين متعجبين نكاد أن نفقد عقولنا مما يحدث من حولنا نقف أمام أكبر تحديان أمامنا هما كيف ولماذا؟
كيف يحدث لنا هذا ونحن أولاد الله وحدقة عينه كيف يتركنا نفقد أحبائنا كيف يسمح لعيوننا ان تنفطر بكاءً وقلوبنا أن تنزف ألماً كيف يتركنا لخوفنا ولشكوكنا في حفظه وعنايته لنا أين محبته لنا وما يحدث يذكرنا بأيوب البار حين فتح فمه ليلعن يوم مولده، والليلة التي حُبِل به فيها. يلعن كل لحظة من حياته حتى وهو داخل بطن أمه.
اكتشف أن الحياة شر كبير لأنها تنتهي بالموت لذا لعن حياته وتساءل لِمَ الحياة طالما ستنتهي بالموت؟ يلتقط أصدقائه الثلاثة هذا ويحاولون تفسير سبب كل مصائبه وآلامه إن ما يحدث له هو بسبب خطيته وذنبه.
اصدقاء ايوب يفكرون كما يفكر البعض حاليا أن الالم نتيجة ذنب شخص ما، فهو عقوبة الله للإنسان فأيوب يتألم اذاً لأنه قد اخطأ والله هو من يجعله يتألم، وهو عادل في ذلك. لكن اصدقاء ايوب لم يسمعوا الله في البداية عندما قال: ايوب عبدي بار ويتجنب الشر.
ايوب يصرخ ويعاتب الله بجرأة وهو ما يقبله الله منا في محبته وأبوته ولا يغضب منا ابدا إذا أخرجنا كل آلامنا واتعابنا امامه لكن علينا ان نعلم انه صالح إلى الأبد. ايوب لم يوجّه تلك الكلمات للبشر ضد الله، بل الى الله نفسه، وكأنه يقول لله فسر لي ما تفعله معي انا انتظرك.
لكن الله يلزم الصمت ولا يرد، ايوب يستمر في مواجهة وعتاب الله ويتجاسر ويقول له لو كنتَ انساناً يارب لأحضرت حَكَماً بيني وبينك، فيجعلك ترجع عن افعالك، وترفع عصاك عني فلا تروعني بهذا الرعب كفى يا رب لِمَ كل هذا؟ لماذا لا تعاقب الاشرار وتتركني انا، صُنع يديك؟ يداك صنعتني وانت الان تبتلعني؟
الرب مازال صامتاً ويطول الصمت والاصدقاء يكررون نفس الكلام بطريقة او بأخرى وايوب في صراع الإيمان. يشعر ان الله الذي يحبه قد تغير لكن العجيب أنه في نفس الوقت لم يفقد إيمانه والسؤال الان لم يعد لماذا يتألم البار؟ او لماذا الموت؟ بل السؤال: من هو الله؟ أو من هو هذا الاله الذي يترقب البشر وينتظر اخطاءهم ليعاقبهم ؟ يخلُق لكي يغمر بالتراب ويسحق في الارض حياتهم كما يقول ايوب؟ من هو الله؟ فصراع ايوب الحقيقي هو الإجابة عن هذا السؤال.
ايوب ينادي كل الخليقة، ينادي السماء والأرض كي تقف بجانبه في صراعه ويوصيهم الاّ ينحازوا لله فيقول للأرض لا تمتصي دمائي، لا تستريها بل اتركيها ليراها دائماً، لعله يتذكر ما فعل بي فلا يعود و يكرر ذلك. وانت ايتها السماء، لا تضعي حدوداً لصراخي، اجعليه ينتشر فلعله يسمع !!!
سمح الله بأن يجرب الشيطان أيوب لأنه يعرف قلب أيوب أما هدف الشيطان هو أن يوقع أيوب في خصومة مع الله لم يخطئ أيوب بشفتيه ولكن كان قلبه فيه تساؤلات كثيرة فيه أشياء كثيرة ضد الله.
دعونا نعود لحالنا الآن حين يحاول الشيطان أن يوقعنا في خصومة مع الله، لماذا يفعل الله هذا بنا؟ قبل أن نعرف الإجابة علينا أن نعود إلى الوراء إلى قصة السقوط والخروج من حضرة الله حين كان الإنسان يأخذ كل شيء من يد الله دون أن يعرف إذا كان هذا خيراً أم شرا فقد كان يعيش في خير الله فقط.
الشيطان كان يعرف أن معرفة الخير والشر ستؤدي إلى تسرب الخوف والقلق داخل الإنسان وهما كافيان لسقوط الإنسان حين يبدأ في الجدال مع الله بعد أن كان يسلم حياته في ثقة كاملة في محبة الله وحمايته له .
حتى بعد أن انتصر الله على الموت بصليبه المحيي واصبح الموت مجرد انتقال إلى حياة أبدية ممجده ما زالنا نعود إلى الرغبة في معرفة إجابة السؤال أهذا الذي تفعله معي يارب أهو خيراً أم شراً. مازلنا مصرّين أن نعود لنأكل من نفس التفاحة التي أخرجتنا من حضرة الله لقد فهم الرسول بولس هذا بعد ان مر بتجارب كثيرة في حياته فقال: بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله العل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا(رو ٩ : ٢٠ ) هكذا نفعل جميعنا حينما فنقف أمام الله وعمله متشككين في محبته أو متذمرين وما علينا سوى أن نقول له أعن ضعفنا لأنك أنت العالم بضعف البشر ولا تهلكنا من أجل تذمرنا بل احملنا معك وادخلنا ابديتك فأنت مبتغانا.
اكتب رسالة…