مختار محمود
لا شكَّ أن اللهَ خلق الأديان وأرسل الأنبياء والرسل، لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الشر إلى الخير. ولا شكَّ أن الله يريد من خلقه أن يتعارفوا ويتعايشوا ولا يقتل بعضهم بعضاً، وأن يُطهِّروا نفوسهم وضمائرهم وقلوبهم من كل سوء، وأن يكونوا عباد الله إخواناً. من المؤكد.. أن الله خلق الأديان وأرسل الأنبياء والرسل، لتهذيب البشرية والارتقاء بها إلى أعلى درجات الإنسانية.. هذا ما أراده اللهُ لنا، وهذا ما يقوله أولو الألباب، غير أن الواقع يبدو مؤسفاً ومُخجلاً ومُحزناً. الأديانُ تحولتْ – بفعل البشر- إلى أسبابٍ للخلاف والاختلاف والتناحر والتنازع، ليس بين دين وآخر فحسب، ولكن داخل الدين الواحد نشأت فرقٌ وجماعاتٌ خاصمت الحياة وعانقت الموت ورسختْ للتطرف والإرهاب والكراهية.
مع كل مناسبة قبطية.. يخرج السلفيون بفتاوى شاذة ومريبة وجهولة ترسخ لقيم الكراهية والبغضاء والريبة. كبيرُ السلفيين فى هذا الزمن الغادر “ياسر برهامى” لم يفوِّتْ فرصة أعياد الأخوة المسيحيين دون أن يتقيأ فتوى تُحرِّم تهنئة الأقباط بعيدهم. لم يكتفِ الشيخ الجهول بذلك بل ادَّعى أن “تقديم التهانى للأقباط فى أعيادهم أشرُّ من معاقرة الخمور ومضاجعة الزوانى”. فُضَّ فوك يا مولانا، فلتقلْ خيراً أو لتصمتْ، لا أظنك على خير. لماذا تصرُّ على أن يبغضك القاصى والدانى؟ لماذا تفعل بالإسلام ما لا يفعله من لا يتخذونه ديناً؟ أظنك يا “برهامى” لو أنك عاصرت النبى صلى الله عليه وسلم ورأيته يودُّ غير المسلمين لعارضتَه. وربما تركت الإسلام نهائياً عندما انتفض واقفاً أثناء مرور جنازة يهودى، وصنعت لنفسك ديناً جديداً يُحرض على كراهية الآخر وإقصائه وقتله إذا استلزم الأمر.
المؤمنُ كيِّسٌ فطِنٌ يا “برهامى”، وأنت لستَ كيِّساً ولا فطِناً. فمن ناحية.. أنت تعلم أن الإسلام الحقيقى ليس هو الذى تدين به وتدعونا إليه وأنت ربما تكون باحثاً عن شهرة على طريقة الذى بال فى بئر زمزم، ومن ناحية ثانيةٍ.. رأس الدولة المصرية كلّفَ مؤخراً بتشكيل لجنة لمواجهة الأحداث الطائفية استشعاراً لخطر مُحدق يطل برأسه القبيحة لا سيما فى أوكار السلفيين، ومن ثمَّ.. فإنه ليس من الكياسة والفطنة يا “برهامى” ما تفعله بوطنك الذى تعيش على رضه وتستظلُّ بسمائه. أنت تعلم يا “برهامى” الأثر السيئ لفتاوى السلفيين، وأنت فى الصدارة منهم، فى بر مصر، ومن المؤكد أنه قد أتاك حديثُ المنيا وما يحدث فيها من تطرف بغيض، أنت أقوى أسبابه.
أعلمُ.. أن النصيحة لمثلك يا “برهامى” لا تُجدى أثراً، ولا تثمر نفعاً، ولكن اعلمْ – إن لم تكن تعلم- أن مثلك عبءٌ على الحياة وعلى الدين وعلى الإنسانية، فما خلق الله الأديان لأمثالك يا “برهامى”. اللهم عليك برؤوس الفتن ومُشعلى الحرائق فى كل دين، وكلِّ طائفة، وكلَّ ملة..