ماجد سوس
منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وخاصة بعد إفراج الرئيس السادات عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وإنشاؤه للجماعات الإسلامية الإرهابية والتي سمح لشبابها للسفر إلى أفغانستان مع ارتماءه في حضن الوهابية السعودية وإرساله المدرسين إلى المملكة السعودية الذين قاموا هناك بتدريس كتب الإرهابي سيد قطب
ثم عادوا بأفكار الحجاب والنقاب والتمييز العنصري المقيت ودون الدخول في فرضية الحجاب في الدين الإسلامي من عدمه فهو أمر متروك لإخوتنا المسلمين
ولكن علينا أن ننوه أن زوجات وبنات شيوخ الأزهر قبل علاقة السادات بالسعودية
لم يكنّ محجبات وبالطبع كان هؤلاء الشيوخ الوسطيين أمناء في دينهم
وقصدي بهذه الملاحظة التنويه بأن الحجاب قصد منه التمييز بين المرأة المسلمة
والقبطية لغرض عنصري حتى ولو تناقلته الأجيال بحسن نية .
أحداث مريرة بعد هذا مرت بالأقباط وقتل المئات منذ حادث الخانكة ١٩٧٢ إلى المنيا ٢٠١٨
وربما كانت الحوادث في الثمانينيات و التسعينيات أصعب بكثير من الأحداث الحالية
فقد كانت هناك حوادث مثل الكشح وغيرها مُثل فيها بجثث الأقباط
وتلاعب بعض رجال الشرطة في التحريات حتى حصل جميع المتهمين على البراءة.
والأمر الذي يجعلني أشير إلى هذه الأحداث الآن لأني وجدت أن البعض يتناسى
ما حدث لأهلنا في الماضي ويحمل الإدارة الحالية سواء إدارة البلاد أو الكنيسة مسئولية
ما يحدث بينما في رأيي وإن كان هناك مسئولية مباشرة للأمن إلا أن الفكر الداعشي
والذي تغلغل في وجدان الكثيرين ولا سيما غير المتعلمين وأنصاف المتعلمين اقتلاعه
لهو أمر صعب بعد عقود كثيرة تشلق دواعش الفكر على قمة التعليم
ومنظمات المجتمع بل وإلى المؤسسة الشرطية نفسها.
وهناك سببان يجعل الأقباط يظنون أن الأمر اليوم أصعب من الأمر بالأمس القريب
الأول أنه يحدث بعد ثورتين قاما بهما الشعب تصور الأقباط
بعدهما ان حياتهم ستكون رغدة وسيحصلون على حقوقه المسلوبة
ولكنهم تناسوا أن هناك أجيال تربت في عهد السادات ومبارك نشأت على فكرة عدم قبول الآخر بل وتكفيره وأن القبطي كافر لا يلعب أولادنا مع أولاده ولا يتولون المناصب القيادة بل وصل الغلو إلى المنادة بعدم تهنئة الأقباط بأعيادهم
وتربت الأجيال في هذه العقود على كتب وأحاديث رجال دين المتطرفين الذين كرسوا حياتهم لزرع الفتنة بين المصريين فنشأ جيل أنتشر بأفكاره المتطرفة في كل أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية والقضائية والمنوط بها عقاب من يمس السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية.
على أننا لا يجب علينا أن ننسى هؤلاء العظام الذين يقفون في جانب الأقباط وفي ظهرهم على الدوام من إخوتنا المسلمين الأفاضل وعلى سبيل المثال لا الحصر رئيس جامعة القاهرة الأسبق أستاذ القانون الدستوري الأستاذ جابر نصار والذي ألغى في قرار جريء وجود خانة الديانة في كل الأوراق الرسمية لجامعة القاهرة ولم تحذو حذوه أية جامعة مصرية أخرى وارائع الدكتور خالد منتصر
وبالطبع لا ننسى الإعلاميين إبراهيم عيسى وفاطمة ناعوت وعمرو أديب وأسامة كمال ورانيا بدوي وإسعاد يونس واحمد عبده ماهر وقصدي من وضع أسماءهم أننا على يقين أن هناك أخوة مسلمين وطنيين يطالبون دائماً برفع الظلم والاضطهاد الواقع على الأقباط
الأمر الثاني الذي يرسخ داخلنا مرارة الحدث ويزيده هولا هو وجود السوشيال ميديا وتطور وسائل الإعلام والاتصالات فلم يقتصر الأمر على معرفة الخبر لحظة وقوعه ولكن الأمر تطور إلى سجال دائر بين أفراد المجتمع بمختلف توجهاتهم كل يلقي بدلوه في الأمر و تنوعتت الضمائر بين من يزرع الفتن وبين من يشعل الناس وبين الصادق الذي يريد أن يجد حلا يخرج المجتمع من أزمته.
على أن الأمر الذي أرى أنه يزداد سوءا هو ازدياد عدد الشائعات يومياً من ناحية وظهور معه ظاهرة مشينة وهي اختفاء آداب الحوار من ناحية أخرى، وسأعطي مثال للشائعات ومثال لآداب الحوار فعن الشائعات فقد خرجت شائعة أن البابا ألغى الاحتفال بالعيد ومنع استقبال المهنئين
وهو أمر فعلته الكنيسة مرة واحدة من قبل في عام ١٩٨٠ وأتى بنتائج عكسية وأثار غضب السادات جدا وأتخذ معه عدة إجراءات تعسفية ضد الأقباط حيث حدد إقامة البابا ونفاه إلى ديره وأدخل رجال الأكليروس والأراخنة إلى المعتقلات
ولم تلتجئ إليه الكنيسة مرة أخرى منذ هذا التاريخ وهذه الأحداث بل كانت سياسة المتنيح البابا شنودة الثالث مع الرئيس مبارك هادئة ومتزنة والتي يحذو حذوها البابا تواضروس الثاني – أطال الله عمره – فعدم الاحتفال بميلاد مخلص العالم وعدم استقبال المهنئين لنا في بيتنا أمر غير حكيم ومنعه ليس هو التعبير الأفضل عن غضبنا من الأحداث الأخيرة ولن يمنعها.
أما عن آداب الحوار التي كادت أن تنعدم عند البعض فهي تتجلى في الهجوم غير المبرر الدائم على قداسة البابا وتحميله ما يحدث للأقباط بتوجيه كلمات لا تليق لأب يحمل مسئولية ضخمة في زمن صعب تشوهت فيه البنوة وقيم الاحترام فتجد هناك متناقضات عجيبة وغريبة فكلنا يحب نيافة الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وهناك من يطلق عليه أسد الصعيد وهذا الرجل قوي مُحب لشعبه
وهو حين يقول أن قداسة البابا يكلمه نهارا وليلا ويتابع تفاصيل الأحداث ويتحدث مع المسئولين فعلينا أن نصدقه في كل ما يقول ولا نأخذ من كلامه ما يحلو لنا ونترك الآخر وقد استقبل الله أسر الشهداء وتحدث معهم وقام بتعزيتهم وصلى لهم.
لذا فمن غير اللائق ولا من قبيل البنوة للمسيح واختيار روح الله لبابانا أن نزايد عن بذله الدائم لخدمة أولاده والسهر على خلاصهم وعلينا أن نعي أن قيادة الكنيسة في مجتمع مثل مجتمعنا بأيديولوجياته المختلفة لهو أمر يتطلب السير بين الأشواك ويتطلب حكمة وحنكة فائقة.
أحبائي المنظر الذي أذهلني فتسرب الفرح في داخلي رغم فداحة الأحداث وقسوتها أنه حينما قرر الأقباط بدلا من التظاهر اللجوء لله فأجتمع ثلاثة آلاف شاب في ليلة صلاة في كاتدرائية المنيا فاهتزتا السماء والأرض معاً وهم يقدمون صلاتهم بخور ويعلنون غفرانهم وحبهم مع التسليم بإرادة الله وإعلان جلدهم وصبرهم العجيب وهذا أمرٌ عجيب نموذج لبشر سماويين ليسوا من هذا العالم وكأنهم يمتلكون ملكوتهم فلا يخافون الموت ولا يهابونه حتى وإن أظهروا غضبهم وهو أمر طبيعي ولكنهم كما قال الكتاب يغضبون ولا يخطئون ويعلمون بقوة واختبار مفاعيل الصلاة وقدرتها في تغير أوضاعهم وحياتهم .
أحبائي لم أجد عنوان لهذا المنظر المهيب سوى أن صليب الأقباط تحول إلى قوة حياة قوة تغيير لأنه يحملون صليبهم المؤلم بكل حب وهو أمر فائق للطبيعة يستمدونه من المصلوب عن ثقة بأن صليبهم سيكون بمثابة النجاة لبلادهم وهو فخرهم الذي يحملونه وهم يهتفون بقانون إيمانهم يعلنوه أمام العالم اننا ننتظر دائما وابدا حياة الدهر الآتي حياة حرية مجد أولاد الله.
ليس صليب يحملونه بل صليب يحملهم لأنهم سّموا فصاروا يُحمَلون