د.ماجد عزت إسرائيل
للكنيسة القبطية مكانة كبيرة فى القدس وأيضا بطريركها،و ترجع نشأة الوجود القبطي في القدس إلى الزيارة للأماكن المقدسة بالقدس، منذ اكتشاف الأمبراطورة هيلانة للصليب الصلبوات في عام (325م) وتأسيسها لكنيسة القيامة. ولا أدل على ذلك من اشتراك البطريرك القبطي “أثناسيوس الأول” (328-373م) البطريرك رقم (20) في تدشين هذ الكنيسة مع بطريرك انطاكية،وكذلك قصة القديسة مريم المصرية التي حضرت إلى القدس في عام (382م)،وشاع صيتها، حتى أنه بعد وفاتها تم تشييد كنيسة على أسمها مجاورة لكنيسة القيامة،واستمر الوجود القبطي في القدس مع الفتح العربي لذات المدينة، واستمر بناء الكنائس والأديرة القبطية في القدس بعد ذلك، ففي القرن التاسع الميلادي تم إنشاء كنيسة قبطية في القدس عرفت بكنيسة المجدلانية، ولعل أشهر الأمثلة جميعاً هو دير السلطان ـ يوجد نزاع حول هذا الدير ـ مع وجود هيكل تابع لكنيستنا القبطية داخل كنيسة القيامة،وللكنيسة القبطية عدة مؤسسات خدمية منها المدرسة القبطية والكلية الأنطونية للبنين،وكلية الشهيدة دميانة للبنات، والجمعية الخيرية اجتماعية لرعاية أقباط القدس بالتعاون مع رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس التى تم أنشائها عام 1948م لتقديم المساعدات من رعاية اجتماعية وثقافية وتنظيم رحلات ـ برية أو بحرية أو عبر السكك الحديدة ـ الأماكن المقدسة بذات المدينة،وزادت مكانة الكنيسة القبطية بالقدس ،منذ عصر البابا كيرلس الثالث(1235-1243م) البطريرك رقم (75)،حيث أنشأ لأول مرة مطرانية قبطية للقدس والشام، ورسم لها أحد الأساقفة الأقباط. وربما دفعه إلى ذلك التنافس بين كرسي أنطاكية والأسكندرية، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح لمطرانية القدس (الكرسى الأورشليمى) مركز هام في الأكليروس القبطي.
والمتنيح الأنبا ياكوبوس الثاني (1946-1956م) هو أحد رواد الكرسي الأورشليمي بمدينة القدس، وُلد نيافته ببلدة المطيعة عام 1908م مركز أسيوط- محافظة أسيوط، وتلقي علومه الإبتدائية والثانوية بكلية الأمريكان بأسيوط، ومنذ شبابه أحب العلوم الدينية والحياة الرهبانية ،فألتحق بالكلية الإكليركية بالقاهرة في عام 1939،وتخرج فيها عام 1942م، ثم ترهب بدير القديس الأنبا أنطونيوس بالبرية الشرقية بمصر عام 1942م،وسُيم قساً عام 1944م، ورقي إلي درجة إيغومانوس في نوفمبر1945م، وفى أول مارس عام 1946 م عُين وكيلاً لمطرانية البلينا،و ظل فى منصبة هذا حتي رُسم مطراناً لإبرشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى فى أول سبتمبر عام 1946 م فى عهد البابا يوساب الثانى البطريرك رقم (115)(1946-1956م).
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن إبرشية الكرسى الأورشليمى قد قُسمت ثانية بعد نياحة الأنبا ثاوفيلس الأول(1935-1945م) إلي إبرشيتين : الأولي ، إبرشية الكرسي الأورشليمي وتشمل القدس وبقية بلاد فلسطين وسيناء وأقطار الشرق الأدني.
أما الثانية بإسم إبرشية الشرقية ومحافظات القنال وقد رُسم صاحب الترجمة علي إبرشية الكرسي الأورشليمي والشرق الأدني، مطراناً ودعي ياكوبوس الثاني. وقد قام نيافته في مدة حبريته بالعديد من الأعمال الجليلة التي تُذكر له بالثناء والتقدير ،ففي سنة 1946م شيد ديراً وغرفاً للحجاج الأقباط علي مساحة أرض واسعة علي نهر الشريعة كان قد إشتراها المتنيح الأنبا ثاوفيلس الأول ولم يُمهله الأجل ببناء الدير عليها. وفي عام 1947م إفتتح نيافته الكلية الأنطونية القبطية بالقدس،لتعليم أبناء الطائفة القبطية بالقدس بالإضافة إلي أبناء الشعب الفلسطيني والطوائف الأخري.
وإفتتح أيضاً في نفس العام كنيسة قبطية فى رفح ،و فى سنة 1949 م وضع حجر الأساس لكنيسة البشارة القبطية بالناصرة وإشتري قطعة أرض سنة 1951م بالناصرة أيضاً لعمل بعض المشروعات والأنشطة الروحية ،وفي بداية عام 1952م بدأت البطريركية بالقدس بإصدار مجلة خاصة روحية سُميت” النهضة المرقسية” وفي نفس العام إشتري بعض المنازل ببيت لحم لتكون نواة لبناء كنيسة قبطية وديراً بجوار كنيسة المهد، وفي عام 1953م قام بإفتتاح كلية الشهيدة دميانة القبطية للبنات بجوار دير القديس مارجرجس للراهبات. وفي 22 مارس 1956م إنتقل إلي الأمجاد السماوية في حادث القطار،وكان معة المتنيح الأنبا توماس مطران الغربية. وقد دُفن جثمان الأنبا ياكوبوس الثاني في عزبة دير القديس الأنبا أنطونيوس ببوش.
وقد شغر الكرسي الأورشليمي بعد نياحته لأكثر من ثلاثة أعوام، نتيجة لشغور الكرسي البابوي أيضاً.