مختار محمود
جرتْ العادة فى السنوات الأخيرة، أن يكون المسؤولون مجرد رد فعل لتصريحات وتوجيهات الرئيس. لا أحد فيهم يُكلفُ نفسه عناء التفكير. الرئيس يُصرِّح أولاً، يوجِّه أولاً، يُكلف أولاً، ثم تنهال تصريحاتُ وتكليفاتُ وتحركاتُ أصحاب المعالى من أعضاء الحكومة ومساعديهم ومعاونيهم تحت شعار: “بناء على توجيهات الرئيس”، رغم أنهم لو بادروا بأخذ زمام المبادرة، فإن ذلك سوف ينال مدح الرئيس وثناءه وتقديره، ويرفع من أسهمهم عنده. تكلم الرئيس، يوم السبت الماضى، عن ضرروة اهتمام المصريين بصحتهم، منتقداً “بدانة وسمنة” قطاعات كبيرة منهم. وقبل أن ينتهى اليوم شحذت برامج “التوك شو”، حتى التى تقدم فقراتٍ عما لذ وطاب من الأكل والشراب، أسلحتها وأدواتها وحوَّلتْ تصريحات الرئيس إلى مبادرة وسعت إلى تعميمها، وراحتْ تستضيف ضيوفاً للحديث عن المخاطر الصحية المصاحبة لزيادة الوزن. وسريعاً.. انتقلتْ العدوى إلى الصحف والمجلات.
الطريف أن كثيرين ممن انخرطوا فى الكتابة عن هذا الموضوع من أصحاب الأوزان الثقيلة!! وربما تشهد الأيام المقبلة ازدحام مستشفيات وعيادات التخسيس بالوزراء والمحافظين والمشتاقين لخلافتهم وضيوف البرامج التليفزيونية، لإجراء عمليات عاجلة، للحصول على بطن تشبه بطن “رونالدو”، حتى لا يقعوا فى “دائرة الشبهات”، وربما يصدر مسؤول رفيع المستوى، ثقيل الوزن، بياناً صحفياً يؤكد فيه أنه “بناء على تكليفات الرئيس..قرر هو وأهل بيته الخضوع لعمليات تخسيس”.
وقد يعقد وزير الأوقاف مؤتمراً صحفياً، يثُمن خلاله “دعوة الرئيس إلى التخسيس”، و قد يُعمم خطبة الجمعة المقبلة عن “أهمية التخسيس فى بناء الأمة و صلاح المجتمع”، وربما يُوجِّه بإنشاء “صالة جيم” بكل مسجد. بدورها، فإن دار الإفتاء سوف تدخل على الخط طبعاً، وتصدر فتوى من “الوزن التقيل” تؤكد فيها أن “البدانة مكروهة والسمنة حرام شرعاً”. الشيخ “خالد الجندى” سوف يدلى أيضاً بدلوه، ويُخصص برنامجه اليومى للحديث فى الموضوع ذاته، وقد يقطع بأنه “لن يدخل الجنة بدينٌ أو سمينٌ”، حتى لو كان أكثر أهل الأرض صلاة وصوماً وحجاً. مولانا الدكتور “سعد الهلالى” سوف يتحدى قرار حظره إعلامياً، بإجراء مداخلة مع صديقه “عمرو أديب”، ليفاجئنا بأنه يمتلك 1000 دليل على أن “نزلاء الجنة من ذوى الأجساد الممشوقة”، ويطالبنا بأن نتخذ من الراقصة “دينا” أو الباليرينا “نيللى كريم” القدوة والمثل، ويُقسم الله جهد أيمانه: أن “العبد النحيف ولو كان عاصياً أولى بالجنة من العبد البدين ولو كان تقياً”.. السلفيون لن يخوضوا مع الخائضين، لا سيما أنهم من ذوى الشهوات المفتوحة دائماً، لكنهم سوف يلتزمون بالصمت، استمراراً لمنهج “التقية” الذى يطبقونه على أنفسهم منذ 5 سنوات، فالعاقلُ من اتعظ بغيره!! على الشاطئ الآخر من النهر.. الإخوان والجماعة الإسلامية، سوف يواصلان انتهازيتهما البغيضة، وقد يتشاركان، على غير العادة، فى إصدار فتوى مُشتركة تؤكد تحريم برامج التخسيس، وتجزم بأنها أشد إثماً من الخمر والويسكى والفوديكا، وأنها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، وأن أطباء التخسيس هم وقود النار يوم القيامة، ولن يدخل الجنة إلا أصحابُ الأجساد الممتلئة والبطون المنتفحة والأرداف المفخخة و الأفخاد الملتصقة..
وبذكاءٍ باهتٍ.. فإن “فاطمة ناعوت” سوف تنشر صورة ذراعيها النحفيتين على حساباتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعى في إشارة مفهومة لها مغزاها.. أما “خالد منتصر” فسوف يخصص مقاله اليومى، لينتقد آيات الطعام والشراب فى القرآن الكريم، ويُخرجها من سياقها، ويطالب بحذفها. وكذلك “إسلام بحيرى” فسوف يُخصص برنامجيه الإذاعى والتليفزيونى، للتهكم على المشايخ المتقدمين، ويزعم أنهم تجاهلوا فى كتبهم التحذير من الإفراط فى تناول الطعام، وسوف يتجاهل مُتعمداً الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الصحيحة، التى تنهى عن الإسراف فى الطعام، وسوف يتعامى عن وصية نبوية جامعة جاء فيها: “مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ”، لأنه يؤمن مثل “منتصر” و “ناعوت” بمبدأ وحيدٍ وهو: “الغاية تُبرر الوسيلة”!!