مختار محمود
وقائع تعذيب نزلاء دار “السابقون بالخيرات”، الكائنة بمنطقة “كفر غطاطى” بالهرم، تكشفُ الدور الغائب والمتضائل لوزارة “التضامن الاجتماعى”، والبيانُ، الذى أصدرته الوزارة “اليومَ” على خلفية الواقعة التى نشرتُها “أمس” بشأن تعذيب طفلين وإذلالهما، بشكل لا يطيقه الرجالُ الأشداءُ، هو بيانٌ مُتهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ ويعكسُ الحالة المتدنية لطريقة تفكير مسؤوليها وموظفيها. نعم.. البيان متهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه حرص فى البداية على إدانة الطفلين، وتعامل مع اتهامات مشرفى الدار بحقِّهما باعتبارها صحيحة، وعلى فرض صحتها.. فهل هكذا يكون العقاب والإذلال؟!
والمؤسف أن الوزارة التى حرصت على تبرئة الدكتور “شريف أبو النجا” من جميع المخالفات المنسوبة إليه، لم تخجل من إدانة هذين الطفلين معدومى الحيلة! نعم..
البيان مُتهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه تعامل مع الواقعة المنشورة، باعتبارها سابقة أولى لتلك الدار ذات السجل الحافل بالمخالفات التى لا تخطر على قلب بشر، من قسوتها وتجاوزها لجميع الأعراف الإنسانية والأخلاقية. مسؤولو الوزارة يعلمون ذلك جيداً، وتم مخاطبتهم مراراً وتكراراً، لإنقاذ نزلاء تلك الدار، خلال الأشهر الثلاثة المنقضية، ولم يكلف أحدٌ منهم نفسه لاتخاذ ما يلزم، واتسمت حواراتهم بسُفسطائيةٍ غريبةٍ. إذنْ..
أمرُ تلكَ الدار تحديداً لم يكن مخفياً أو مجهولاً، ولكنَّ السادة المسؤولين تعاملوا مع هذه التجاوزات بخفَّةٍ واستهتارٍ تشبهان تعامُل “الحانوتية والتُربية” مع جثامين الموتى. نعم.. البيان مُتهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ.. لأن الوزارة أبقت مسؤولى الدار، رغم عدم خبرتهم وتأهيلهم علمياً ونفسياً للتعامل مع هذه الفئة من الأطفال، ما يعنى أن سيناريوهات إذلال وتعذيب الصغار سوف تستمر دون توقف. نعم.. البيان متهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه صيغ بمدادٍ باردٍ، وحروفٍ مُصمتةٍ، وكلماتٍ جافةٍ، ولم يكن على مستوى هذه المأساة، وهى ليست مأساة حصرية بتلك الدار فقط، ولكن كثيراً من دور الأيتام فى مصر تحول إلى سلخانات لقهر الأطفال، و”بزنس كبير” للقائمين عليها. الوزارة تعلم ذلك جيداً، كلكم تذكرون ما شهدته دار مكة بشارع “الهرم” أيضاً، يومئذ..
اندلعت شرارة الغضب ثم انطفأت سريعاً. نعم.. البيان مُتهافت وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأن الوزارة لم تعلن أنها سوف تقوم بإعادة النظر فى ملف دور الأيتام على مستوى الجمهورية، وتقييم المشرفين والعاملين فيها، والاستغناء عن غير المؤهلين علمياً ونفسياً وأخلاقياً، وتطهيرها مما تعجُّ به من مخالفات وتجاوزات مالية صارخة وما أكثرَها، ولكنها تعاملت مع الأمر بـ “المسكنات” التى سرعان ما يزول أثرها، ويعاود الألم مكانه، و أعدُ الوزارة بنشر ملف صحفى كبير، قريباً جداً، عن دور إذلال الأيتام فى مصر وما يحدث فيها من تجاوزاتٍ يشيبُ لها الولدانُ. نعم..
البيان متهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه لم يخبرنا بإستراتيجية الوزارة خلال الفترة المقبلة للارتقاء بدور الأيتام وتطويرها، حتى لا تكون نسخة من سجن “جوانتانامو”، أو أوكاراً لتخريج أجيال مقهورة نفسياً وقنابل موقوتة جاهزة للانفجار فى مجتمع لم يرحم ضعفها، وأولى اهتماماً مُضاعفاً بتصدير الكلاب وبطانة فستان فنانة باحثة عن الأضواء. نعم..
البيان مُتهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه يرسخ ويؤكد عجز الوزارة عن التعامل مع هذا الملف الذى يحتاج قلوباً نقية وضمائر حية، وليس موظفين ملتصقين بمكاتبهم لا يغادرونها ولا يؤدون واجبهم إلا إذا تلقوا أمراً وزارياً مباشراً، كما حدث “أمس”. نعم.. البيان متهافت وهابط وباهتٌ ومُحبطٌ، لأنه يؤكد أن الوزيرة مشغولة بأمور أخرى أكثر أهمية من نزلاء دار الأيتام، كالذهاب إلى مهرجان فنى واصطحاب أحد الأطفال ذوى القدرات الخاصة والتقاط الصور التذكارية معه، حتى يتحاكى الناس عن قلبها الطيب الرؤوم وإنسانيتها المفرطة، أو إطلاق تصريحات رنانة ولوذعية على غرار: ” الضراير وراء الأزمة السكانية”.. نعم..
البيان مُتهافتٌ وهابطٌ وباهتٌ ومحبطٌ، لأنه يعكس الدور المتضائل جداً لوزارة التضامن الاجتماعى، ويؤكد أن القادم لن يكون أفضل بأىِّ حال من الأحوال..