مختار محمود
مع كل حادثة عابرة أو أزمة طارئة.. يقع مسؤولونا فى “الفخ”، وينكشف عوارهم المهنى، وتنطلق ألسنتهم بتصريحات واهية وواهنة تؤكد أن قاعدة: “الرجل المناسب فى المكان المناسب” مجرد “فولكلور” وأسطورة من الأساطير، لا وجود لها فى مصر.
وعموماً.. تلك حقيقة لا تخفى على أحدٍ، ففى الدواوين الحكومية، المجدُ لا يكون أبداً لذوى الهمم والضمائر الحية، بل لذوى القربى والعصافير ومن يدور فى أفلاكهم وساء أولئك رفيقاً. وتعتبر واقعة تصوير فيديو إباحى فوق سطح هرم خوفو بالجيزة دليلاً دامغاً على عجز المسؤولين الحكوميين عن التعاطى مع الأزمات. “البهوات” لم يقروا بتقصيرهم وفشلهم فى أداء مهام وظائفهم، ولم يفكر واحد منهم فى تقديم استقالته، كما يحدث فى كوكب اليابان وضواحيها، ولكنهم “تملَّصوا” من المسؤولية و استمرأوا الكذب والادعاء، فمن شبَّ على شئ شاب عليه.
أحدهم تعجَّل وأخذته العزة بالإثم وقطع بأن الفيديو “مُلفق ومُفبرك وغير صحيح”، وآخر رأى، بعدما أيقن أن الفيديو صحيح، أن اقتراف الفعل الفاضح فوق الهرم الأكبر من شأنه الترويج للسياحة المصرية التى ماتت إكلينيكياً، وعجز الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة السياحة عن إحيائها مجدداً، وأصبح الفشل ملازماً لوزراء السياحة الآثار، وصاروا عبئاً جسيماً على أية حكومة. لو أن هناك تطبيقاً لمبدأ “لثواب والعقاب”، فإن طرد المسؤول، الذى وجد فى الفيديو الإباحى ترويجاً للسياحة المصرية، يكون واجباً بل فرض عين، لأنه يفكر بعقلية أصحاب الملاهى الليلية وسماسرة الشقق المفروشة.
المهم.. أن التصريحات المُتهافتة بشأن الواقعة المذكورة وغيرها كثير ومتكرر، أكدت قاعدة لا تقبل تشكيكاً وهى: أننا فاشلون فى التعاطى مع أى أزمة، صغيرة كانت أو كبيرة، تصريحاتٌ ينقصها الذكاء، وتسكنها الحماقة، وتجعلك تلطم خديك وتضرب كفّاً بكفٍّ وتتساءل فى ألمٍ: كيف صار هذا وزيراً، ولماذا أصبح هذا مسؤولاً كبيراً، وإلى متى يستمر الاستسهال فى إسناد الأمر إلى من لا يستحقُّ؟ التعاطى السيئ مع الأزمات لن يتوقف عند فضيحة الفيديو الإباحى، فقد سبقتها وقائع كثيرة، هل تذكرون ماذا كان يقول لنا المسؤولون إبان ارتفاع سعر البطاطس، ورفع ثمن تذكرة مترو الأنفاق، و فرض الضرائب العقارية وجنون فواتير الكهرباء؟ كما أن تلك الواقعة سوف تعقبها وقائع أخرى، وفى كل مرة سوف يتكرر السقوط الذريع والفشل المُريع والتصريحات المضحكة ضحكاً كالبكاء، لا سيما بعد فشل معظم المتحدثين الرسميين للوزارات فى القيام بدورهم المنشود، والمتحدث بوزارة الصحة والسكان نموذج واضح وضوح الشمس.
ويبقى السؤال: إذا كنا جادين فى حل مشاكلنا والسعى إلى عدم تكرار أخطائنا، لماذا لا يتم إنشاء وزارة للأزمات، تعمل على توقع الأزمات وتضع سيناريوهات مواجهتها، وتستعين بـخـبـراء حـاصـلـين عـلـى درجـــات أكاديمية فى إدارة الأزمات وكوادر لم يصبها التعفن والفساد الحكومى، ولا ينسحب عليها ما ينسحب على الوزارات الأخرى من مجاملات وعشوائية فى الاختيارات؟
وزارة الأزمات ليست بدعة، ولكنها واقع فى عديد من الدول المتقدمة التى لا تنتظر المصيبة أولاً ثم تفكر لاحقاً كيف تتجاوزها، بتصريحات من نوعية : “الفيديو الإباحى يصبُّ فى مصلحة السياحة المصرية”.