مختار محمود
هذا مقالٌ قد لا يروقُ لذوى النفوس المتورِّمة، والضمائر المِعوَّجة، ومن يُجيدون خلط الأوراق وتدليس الحقائق وتزييف التاريخ، والقفز على أكتاف الآخرين، ومن ثمَّ فأنصحُهم ألا يقرأوه. قبيلَ أيامٍ قليلةٍ.. افتتحتْ نقابة الصحفيين المصريين معهد التدريب والتكنولوجيا، بمنحة مُقدمة من أمير الشارقة الشيخ “سلطان القاسمى”. ورغم أن النقيب السابق “يحيى قلاش” هو من وقَّع عقود إنشاء المعهد، الذى يُوصف بأنه أكبر معهد لتدريب الصحفيين في الشرق الأوسط، وحصل على أول دفعة من تمويل إنشائه من الشيخ “سلطان القاسمي” قبل انتهاء فترة مدته النقابية، إلا أن مجلس النقابة الحالى، الذى حرص على دعوة عدد من الصحفيين المُتقاعدين الذين لم يُقدموا طوال مسيرتهم المهنية خدمة واحدة للجماعة الصحفية، لحضور حفل الافتتاح، تجاهل دعوة “قلاش”، كما تجاهل أعضاء المجلس ذكره تماماً فى الكلمات الاحتفالية، التى سبقتْ وتخللتْ وأعقبتْ الحفل، ونسبوا الفضل لأنفسهم ونقيبهم الحالى!! وبأدبٍ جمٍّ.. عبَّر النقيب السابق، من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك”، عن استيائه من هذا التجاهُل، وتضامن معه زملاء صحفيون، وبدا “منتخب الغضب” مُندهشاً من تجاهل دعوة “قلاش” حفل الافتتاح، باعتباره صاحب الفكرة والمبادرة والاتفاق، فضلاً عن كونه نقيباً سابقاً وصحفياً كبيراً، وكان أحقَّ بالدعوة والحضور من غيره. هذا الغضبُ يكون طبيعياً ومقبولاً ومُبرراً فى المدينة الفاضلة فقط، تلك المدينة التى لا يعيش فيه الصحفيون غالباً. الجحود والإنكار سمتان أساسيتان فى الجماعة الصحفية، فلا أحدَ فيها ينسبُ الفضل لأهله، ولا أحدَ فيها يعترفُ بأخطائه، وكثيرٌ منهم يُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، يستوى فى ذلك صحفيو المؤسسات الصحفية باختلاف أطيافها، حكومية كانتْ أو خاصة، عريقة كانتْ أو حديثة العهد.
هل سمعتم عن قيادة صحفية جديدة تتحدثُ بالخير عن سابقتها، هل بلغكم أن رئيس تحرير جديداً يقيم حفلاً لتوديع سابقه وتوجيه الشكر والتقدير له عن دوره خلال الفترة المُنقضية، هل سمعتم صحفياً يُشيدُ بزميله ويتحدثُ عنه بامتنانٍ؟ الإجابة بطبيعة الحال: لا، فآفة جماعتنا الجحودُ والإنكارُ. خلال الفترة التى أعقبتْ ثورة يناير .. جاء خروجُ رؤساء التحرير من المؤسسات الحكومية مُهيناً وبائساً ودالاً وكاشفاً لأخلاقيات القطاع الأكبر من الصحفيين، بعضُهم تعرَّض للقهر البدنى: “ضرباً وركلاً وسبَّاً وقذفاً”، وكثيرون تعرضوا للقهر المعنوى: “حذف أرشيفهم السابق ومنع مقالاتهم من النشر”. كلكم تذكرون ما حدثَ مع الراحل “عبد الله كمال” و “أسامة سرايا” وغيرهما. ما حدث مع النقيب الأسبق “مكرم محمد أحمد”، فى مقر نقابة الصحفيين، كان كارثياً، وتحاكى به الركبانُ، وهو ما أحدث شرخاً كبيراً فى نفس الرجل، وجعل منه خصماً وعدواً لدوداً للجماعة الصحفية، منذ تم تنصيبه رئيساً للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
الأمر ذاته ينطبق على “كرم جبر”، وهو أيضاً ما يفسر عدوانيته للصحفيين وحرية الصحافة مُستغلاً منصبه على رأس الهيئة الوطنية للصحافة.
كان ولا يزالُ هناك صغارٌ لا يُجيدون الكتابة يتطاولون على “محمد حسنين هيكل”، فى حياته وبعد رحيله، ويغمزون فى “إبراهيم نافع” فى ذروة محنته وبعد وفاته، وآخرون يلمزون فى “إبراهيم سعدة”، وهكذا، حتى انتهى عصر الأساتذة تماماً بين الصحفيين، وتوارى الكبارُ خجلاً، وتبقتْ مجموعاتٌ من الأقزام ومنتحلو مهنة الصحافة الذين يظنون أن إخلاء الساحة لهم سوف يصنعُ منهم عمالقة، وهم – بطبيعة الحال- واهمون، فما هكذا تُورد الإبلُ، وما هكذا تُصنع الإنجازاتُ، والتاريخُ لا ينصفُ العاجزين والكاذبين و مُدَّعى البطولة وأشباه الصحفيين، والأيامُ دُوَلٌ.. وفى رواية أخرى: “الدنيا دوَّارة”.