بقلم / رامي السيسي
في عصر السرعة وطغيان المادة تصبح الكتابة مجازفة ولعبة خطرة تقود صاحبها إلى التهلكة، في عصر الظلام لا مكان للشمس، وفي عصر المهرجين لا مكان للحكمة، وعندما تدخل الكرة شباك المرمى لا وقت لمقال أو قصيدة نحن معشر المجانين نعرف الحقيقة، ونتجاهلها، ندخل النار طواعية، ونركب الصعب، ونقبض على العواصف، ونستعذب العذاب، نواجه القبيلة بسيوف خشبية، ونحلم واهمين بتغيير العالم، ولكن العالم العصري يضحك علينا، ويخرج لنا لسانه نحن يا ساده نحرث في البحر ، ويبني القصور في الرمال، ويركض خلف السراب، ويحلم بعالم ليس له وجود إلا في الخيال المريض، يلتهم الزمن أعمارنا كما تلتهم النار السيجارة، ولكنه رغم خسارتنا الفادحة ما زالنا نؤمن بالأسطورة، سيظل الكاتب ضمير المجتمع، يدافع عن المظلوم، ويواجه الظالم، يكشف أستار الزيف، ينشر النور والوعي، سنظل شمعة تحترق لكي تضئ الدرب للحائرين والبائسين، يمسح عن البيوت أحزانها، ويبعث الأمل في عيون المتعبين، يعيد رؤية الأشياء لتكون أكثر صدقاً .
إن المجتمعات الإستغلالية لا ترحم الضعفاء، ولا تحترم أو تعطى الحق فى الحياة الكريمة إلا للأقوياء الأذكياء أصحاب البراعة فى الخداع والتضليل، والحرفية فى الإيذاء وصناعة الدسائس والمؤامرات، وسرعة التحول والتلون على حسب التيار السائد، وبما يتناسب مع أى تغير فجائى، والقدرة على فهم وإختراق وتملق من بيده القوة والسلطة، والموهبة فى المكر والدهاء والنفاق والرياء وتحقيق النجاحات وجمع الثرواث واقتناص الفرص بغض النظر عن مدى شرعية الوسيلة المستخدمة، بينما لا تهتم بدعم ومساعدة الكفاءات وأصحاب المواهب، بل تتركهم فريسة للإحساس بالفشل، وإنعدام القيمة، والإحباط والإكتئاب واليأس، والوحدة، بدون أى مساندة أو تدعيم، أو إتاحة الفرصة أمامهم لإثبات كفائتهم وتحقيق ذواتهم ـ أو بمعنى أخر تتجاهلهم وتزدريهم، وتحتقرهم وتقمعهم، وتهدر طاقاتهم وتحاربهم، وتلقى بهم وبمواهبهم فى أقرب سلة مهملات، أو فى أحقر مزبلة أو مقبرة، أو أقذر مرحاض عمومى؛ حتى يكونوا عبرة لكل أحمق حالم ساذج مثالي.