كتبت ـ أمل فرج
لم يحتمل الوجه القبيح للحياة ، رغم أنه لم يمكث بها طويلا ، 27 عاما ، هذا كل ما عاشه في الحياة د. إبراهيم ـ الطبيب النفسي المنتحر ـ صغير السن ، وطبيب نفسي ، و” ينتحر ” هل هذا حصاد حجم الضغط الذي قد لا يحتمله الإنسان أيا كانت حداثة سنه ، أم قسوة البشر ، الذين لم يعد يشعر فيهم أحد بأحد ، لم يعد للإنسان في الحياة سند حقيقي يكون له مأوى ، وقت الأزمات ، أم هو ضعف الإيمان ، وعدم اللجوء لله ، والاستعانة به كما ينبغي أن يكون ، الأمر الذي يجعلنا نصل لحد المرض وانعدام القدرة على السيطرة على النفس .. ” ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ”
بصيغة خبرية واضحة وثابتة، نقلت وسائل الإعلام نبأ انتحار طبيب شاب فى محافظة البحيرة، على إثر إصابته بمرض نفسى، فاجتمعت المواقع الخبرية على نقل الخبر بأنه قد “أقدم طبيب شاب على الانتحار بإلقاء نفسه من شرفة منزلة بمدينة دمنهور، فى محافظة البحيرة، وذلك لمروره بظروف نفسية سيئة، وهو الطبيب “إبراهيم. أ”، طبيب بشرى بمستشفى دمنهور العام، ويبلغ من العمر 27 عامًا”.
لكن انتحار الطبيب إبراهيم أحمد، لم يكن قرارا وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تزايد سوء ظروفه النفسية والضغوط التى وقعت عليه إثر متابعته المستمرة لحالات الانتحار لشباب من قبل.
ننقل تسلسل انعكاس الحالة النفسية للطبيب المنتحر، من خلال ما نقله عنه أصدقائه من تدوينات سابقة كتبها، هذا إلى جانب القيام بجولة داخل صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك”، لرصد آخر تدويناته بالتواريخ، والصور التى نشرها، بالإضافة إلى إشاراته الدائمة للانتحار، أو ضعفه وطلبه العون من الله للاستمرار على قيد الحياة.
وفى آخر تدوينه للطبيب إبراهيم أحمد، يوم 20 نوفمبر 2018، قال “أعطنى القوة لاستمر وفى 17 نوفمبر، كتب “لو كان الواحد بإمكانه إنه ينط أو يتخطى كل فترة فى حياته.. كل شغل كل فتره متعبه نفسيًا كل مشاكله هتبقى من الـ70 سنة اللى الواحد عاشها شهر ولا اتنين اللى عايز يعيشهم أو يحسهم.. والسؤال هنا بالنسبة للحياة.. هل يستحق كل هذا الجهد؟”.
كما كتب فى 14 نوفمبر، “ثم يأتيك ذلك النسيم الخفيف من الهواء المريح للروح أو تلك المتعة من سماع مقطع من أغنية ما، أو أن تلمح هذا الوجه الجميل لتلك الفتاة.. فتتذكر، تتذكر لماذا مازلت على قيد الحياة لماذا لم تنه كل شىء حتى الآن؟”.
وفى إحدى الصور الخاصة بحسابه الشخصى، نشر الطبيب إبراهيم أحمد، يوم 19 نوفمبر، صورة مكتوب عليها “كل ليلة أموت.. كل ليلة أولد من جديد.. بعث”، وفى إحدى الجمل التعريفية بصفحته كتب “أريد أن أسافر بين النجوم.. وهذا البائس جسدى يعيقنى”، ومن بين تدويناته أيضًا للتعبير عن معاناته من حالة الاكتئاب، يوم 6 فبراير 2018، كتب “مش عارف إيه اللى حصل لشباب جيلى.. احنا مبقناش مكتئبين ولا بائسين احنا بقينا Zombies ماشيين هائمين على وجهنا مخليين الحياة هى اللى تمشينا زى ما هى عايزة وعكس ما كنا طول عمرنا بنحلم.. متموتوش روحكم كده يا شباب بلاش.. مش فاضلنا غيرها”.
وقد وصل الطبيب إبراهيم أحمد، إلى ذروة تعبيره عن الاكتئاب فى تدويناته، حيث كتب “الاكتئاب بقى واصل لكل خلية فى عقلى وقلبى وجسمى.. بقيت بحتاج جرعات مهولة من الأدوية عشان أقدر أقوم من السرير وأمارس حياة طبيعية وأعرف بس اتحمل الكلام مع الناس.. الكلمة بتحتاج مجهود عشان تخرج منى وبقيت حاسس إن كل كلام الناس ملوش لازمة وممل وبقيت أحس دايمًا إن صوتهم عالى ومزعج.. خلقى ضاق جدًا وبقيت حاد وعصبى مع إنى أصلًا إنسان هادى وبارد جدًا.. عمال أفقد واحد ورا التانى من الناس اللى بتحبنى بسبب اللى الاكتئاب عملو فيا.. اللى اسوأ من الاكتئاب بيعمله فيك هو اللى بيخليك تعمله فى الناس اللى بتحبك”.
وفى تدوينه تبدو وكأنها تحذير لمن قد يأتى بعده، قال إبراهيم أحمد، فى تدوينه كتبها فى سبتمبر 2017، “كل يوم خبر جديد لانتحار شاب بدخل بروفايلاتهم.. كلهم شبهنا جدًا نفس كلامنا وأفكارنا.. قرار الانتحار ممكن يجى بعد تفكير سنين وممكن يجى فى لحظة ألم مبرح.. لحظة من الألم غير المحتمل الشخص مش بيشوف قدامه بيتجه لأسرع طريقة للقضاء عالألم”، وعلى الرغم من تفاقم مرضه، إلا أنه كان يبحث عن حلول وعن أمل فى تجاوزه، فكتب فى مارس 2018، “إيه أكتر وأسرع طريقة ساعدتك فى التغلب على الألم النفسى.. عايز تجاربكم وطرق تخلينا نقلل معاناة بعض شوية”.
وفى محاولة منه لإنهاء الصراع النفسى داخله هو الانتحار، كتب فى 11 مارس 2018، “مدام أنا كده كده رايح لنفس المصير ليه مرحلوش بسرعة؟ أرجوكم خرجوا الدين من الموضوع”، كذلك كتب فى 16 يوليو 2011، مقوله من مؤلفات أحمد خالد توفيق، وهى “بلغ حالة من الاحباط أورثته ارتخاءً عضليًا.. حتى أنه لو قرر الانتحار لما وجد القدرة على رفع قدمه فوق سور الشرفة”.