الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

ليلة عصيبة

تقلب فى فراشه المريح متدثراً بغطاء ثقيل ناعم مستمتعاً باستسلام جسده للاسترخاء وبالدفء الذى يحيط به..

بينما صوت الهواء البارد فى الخارج وصوت قطرات المطر الثقيلة على نافذة غرفة نومه يزيدان من استمتاعه بالراحة والدفء. انتظمت الاصوات المحيطة به،

صوت الهواء وزخات المطر فى الخارج بالاضافة الى صوت ساعة الحائط فى الدور السفلى وصوت المنبه على الكومودينو بجوار فراشه فى الداخل… شيئاً فشىء بدأ يدخل الى المستوى الاول من عالم الغفوة واذناه- دون قصد منه- تتابعان منظومة الاصوات المحيطة وتصير تلك الاصوات جزءاً منه او يصير هو جزءاً منها…

فاذا ما وصل الى مستوى اكثر عمقاً من النوم ، انقطعت صلته تماماً بتلك الاصوات وانعزل عنها ليندمج فى عالم آخر وقد تمر بخياله مشاهد تسمى احلاماً وبصرف النظر عن واقعية هذه الاحلام

او عدم معقوليتها فان هذه الاحلام غالباً ما تذهب فى طى النسيان ولا يتذكرها احد بعد استيقاظه. كان هذا مايفكر به قبل ان ينسحب الى عمق النوم…لكنه استفاق فجأة وفتح عينيه، جلس على الفراش واخرج يده من تحت الغطاء ليضىء الاباجورة تنهد متأففاً فقد كاد ان يستغرق فى نوم عميق قبل ان يوقظه هذا ال…..

انه حقاً لا يعرف السبب فى استفاقته المفاجئة..نعم نعم انه هذا…هذا المنبه اللعين الذى توقف فجأة فلم يعد يصدر صوتاً وبالتالى توقفت المنظومة الصوتية التى استغرقتها اذناه فى بداية استسلامه للنوم…امسك بالمنبه وادار الزمبلك الخاص به ليملأه من جديد…

ابتسمت عيناه الناعستان وهى تنظران هذا المنبه العتيق الذى حافظ عليه لسنوات طوال ولا عجب فى ذلك فهو المنبه الوحيد فى العالم القادر على ايقاظه بل انه لا يشك لحظة بان قوة صوته توقظ معه الحى باكمله. اعاد المنبه الى مكانه واطفأ الاباجورة متمنياً العودة سريعاً الى ما كان عليه…..ولكن عبثاً…

فقد صارت الغفوة امراً صعب المنال….تقلب فى فراشه اكثر من مرة…حاول وجرب كل الطرق التى يعرفها لاستدعاء النوم ولم ينجح….نهض كاتماً غيظه متجهاً الى المطبخ حيث اعد كوباً كبيراً من اللبن الدافىء….

شربه مرة واحدة حاول بعدها معاودة النوم لكن النوم لم يعاوده وكأنه يعانده ويتحداه. اسقط فى يده فالساعة تقترب من الثانية صباحاً ولم ينم بعد وفى الغد هو بحاجة الى اعلى درجات التركيز حيث يعقد اهم واغلى صفقة فى حياته….

صفقة تقدر بمئات الملايين ستضاف الى رصيده الضخم من الصفقات ومن الملايين. استسلم للهزيمة وقرر ان يأخذ حمامه مبكراً بعدها جلس بين اوراقه يراجع صفقته المرتقبة ويعيد حساباتها وارتسمت ابتسامة منتشية على شفتيه وهو يرى الارقام تتضاعف ونذر مبلغاً كبيراً للفقراء او لليتامى او لأى من المحتاجين ان تمت الصفقة بنجاح..لكنه عاد وراجع الارقام واكتشف ان المبلغ الذى نذره يشكل نسبة كبيرة جداُ من صافى الارباح المتوقعة…

اعاد حساباته وبقصد او بدون قصد زاد من اجمالى المصروفات وبالتالى قلل من الارباح ثم بناء على ذلك اقتص جزءاً من المبلغ الذى نذره….ضاق صدره بالارقام والحسابات واعاد التفكير فى المبالغ التى نذرها فى الصفقات السابقة فاكتشف انه فى معظم الاحوال كان ينسى او يتناسى او يتحجج بالتأكد من الجهة التى سيفى فيها بنذره فالنصابون كُثر وهو لا يرضى ان تذهب نذوره لجيوبهم وبطونهم…

لكنه بعد مراجعة ذهنية لمعظم صفقاته فى الخمس سنوات الاخيرة اكتشف ان ما وفى به من نذور لا يتعدى نسبة ضئيلة جداً…وبدأ فى وصلة من التأنيب لنفسه و انتابته هواجس مما سيحدث لعدم وفائه بنذوره وتذكر جدته العجوز اول من فهم منها معنى النذر وكيف انه عهد بين الانسان وربه…

لا بد من الوفاء به…وانه من الافضل للمرء الا ينذر نذراً يفوق قدراته، لكن حتى هذا لا ينطبق عليه فحقيقة الامر ان ما منعه من الوفاء بنذوره هو الجشع والطمع….بدأ يشعر بالبرودة تسرى فى جسده على الرغم من تحسن الطقس بالخارج….ارتعش فجأه وشعر بارتفاع درجة حرارته وبدأ العرق يتصبب بل وشعر انه ينسكب فوق رأسه انكمش فى فراشه وجسده ينتفض وشعر باعياء شديد…برقت عيناه وازداد رعباً عندما تصور انها من الممكن ان تكون النهاية…لا ..لا يمكن ان يكون العقاب بهذه القسوة…

قالها وهو يغمض عينيه فى استسلام.
تسللت اشعة شمس الشتاء واخترقت النافذة لتسقط على عينيه وتداعب جفونه التى فتحها فى بطء وهو ينظر حوله وكأنه يستطلع غرفته الصغيرة …نهض من فراشه وهو يسلك قدمه التى تعلقت بواحدة من فتحات بطانيته المهترئة…نظر الى المنبه القديم والذى رفض ان يرن للمرة العاشرة فى اسبوع واحد…غسل وجهه فى الحوض الملحق بالغرفة التى استأجرها فى البنسيون سار خطوتان سمع دبيبها على الارض الخشبية المتهالكة كل نزلاء البنسيون…

اخرج من الدولاب بدلته الوحيدة وارتداها على عجل ليذهب الى عمله الجديد لكنه قبل ان يذهب لعمله تذكر وصية جدته ونصيحتها له ، فذهب الى مكان آخر ليفى بنذر كان قد نذره ان تمكن من الحصول على فرصة عمل.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.