الأحد , ديسمبر 22 2024
الطيار

الطيار المصرى المجنون .

 

دكتور صلاح عبد السميع 

ما ان تقع عيناك عليه وهو يتحدث عن ذكريات حرب أكتوبر المجيدة ، لا تملك الا ان تشعر بالفخر والانتماء لهذا الوطن ، ما ان تستمع الى تلك الذكريات منذ ان بدأ مع زملاءه فى تمام الثانية والربع ظهر يوم السادس من اكتوبر العاشر من رمضان فى تنفيذ أول طلعه جوية استهدفت ضرب مراكز القيادة والسيطرة للعدو الاسرائليى ، ضمن عملية اطلق عليها اسم بدرتيمنا بذكرى غزوة بدر المباركة ،يقول بطل مصر وفخر سلاح الطيران المصرى اللواء أحمد المنصورى لقد تغير الشعار الذى اعتاد عليه البعض فبدلا من  ان يقول القائد لمن يقودهم ” تقدم” أصبح شعار القادة القول ” اتبعنى ” وهنا ينطبق عليهم تلك المقولة المهمة فى اعداد القادة ” اذا اردت أن تكون امامى فكن أمامى ” ويشيد المنصورى باللواء فاروق عليش بأنه كان دائما فى المقدمة وهم خلفه مباشرة ، تلك هى الروح التى تربى عليها كل من شارك فى حرب أكتوبر ، روح الاقدام والمبادرة ، روح شعارها التوكل على الله ، روح تأصل فى وجدانها  ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة “( الأنفال:60 ) .  فأمنوا بالله وأيقنوا بأن النصر من عند الله تعالى ، وأن معيار النصر ” وأعدوا” ولكن اليقين بالنصر ينطلق من الايمان بقوله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم  ” ( محمد :7 ) .

ومن العجيب أن نرى اليوم من لا يوجد لديه يقين بأن الله قادر على كل شيء وأن المعيار ليس بالقوة العسكرية ، وانما قوة الايمان بالله ، والاستعداد للقاء العدو وفق ما يتاح من قوة ومن عتاد .

يقول المنصورى كنت اقود طيارة ميج 21 وهى على حد قوله من بقايا الحرب العالمية الثانية ، تسليحها بسيط بها عدد 2 صاروخ و200 طلقة فقط ، بينما تسليح العدو الاسرائيلى طيران فانتوم  يمثل أحدث ما وصلت اليه تكنولوجيا السلاح الأمريكى وتصل حمولة الطاة الفانتوم  الى 5 طن من الأسلحة ويقودها 2 من الطيارين الاسرائليين ، وهنا يعلق المنصورى بالقول ” كانت أمريكا معهم ، ونحن كان الله معنا ” يؤكد المنصورى على أن الله سبحانه وتعالى كان مع جنود مصر ، ومن كان الله معه كان النصر حليفا له .

يقول المنصورى أن أول شهيد طيار في الحرب كان الشهيد الطيار عاطف السادات، أخو الرئيس أنور السادات، كان ضمن الطائرات القاذفة الموجهة لضرب المطارات في مواقع العدو ومواقع القيادة بسيناء، وبعد إنهائه مهمته غرد خارج السرب، سأله القائد أين تذهب، عُد، وعبر اللاسلكي وجدناه يتمتم، فبعد ضربة وجهها للمطار وجد طائرتين تقلعان باتجاهه من نفس المطار، فقال بسم الله الله أكبر وصدهما بطائرته لمنعهما واستُشهد فداء مصر، وعندما أُبلغ الرئيس باستشهاد أخيه، قال: (هو أجدع من مين ولا مين، كلهم أولادي، وكلهم فداكي يا مصر).

يشير اللواء المنصورى بالقول ” أحلى حاجة وأنا طائر شعورى أنى شايف الدنيا من فوق وهو احساس يجعلنى أشعر بأن الله معى ” ، ويتحدث المنصورى عن آخر معركة شارك فيها خلال شهر اكتوبر كانت يوم 24 أكتوبر 1973م بالرغم من وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر الا أن اسرائيل خانت العهد ، وقامت بالهجوم لمحاولة احتلال السويس ، ويعلق بالقول كنا 8 طائرات مصرية في مواجهة 30 طائرة إسرائيلية، وتحقق فينا قول الله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) فدمرنا لهم 6 طائرات، فأيدنا الله بالنصر.

كان لديّ إصرار ألا أموت على أيدي العدو، وفي خضم المعركة وأنا محلق بطائرتي كانت خطة العدو أن يضربني من الخلف، ونظرت فوجدته خلفي بالفعل يستعد لإتمام مهمته بصاروخ، وعلى الفور وضعت مقدم طائرتي باتجاه الأرض لأهبط في مناورة للعدو، وأنا أدرك جيدا أنه إذا ما هبط ورائي فلن ينجو منها وإذا لم يهبط فسأعاود الصعود وأُسدد الهدف بتبادل الأدوار وضربه من الخلف، ولأعاود الصعود من جديد يستلزم الصعود 6000 قدم، نظرت لمؤشر الارتفاع وجدت 3000 قدم فقط، ويعني أنني هالك لا محالة.

في هذه اللحظات العصيبة ترجيت الله وقلت له: (يدك معي يا رب)، وبتوفيقه أقلعت الطائرة بالفعل، ثم نظرت أمامي فوجدت الطيار الإسرائيلي نفسه الذي كان ينوي تفجيري، فقولت له بدعابة المصريين (ابتسم أنت تموت الآن)، وصوبته بصاروخين فانفجرت طائرته واعتقد الإسرائيليون أنني مت، لكن العكس حدث.ولهذا أطلق العدو الاسرائليى لقب المجنون على اللواء المنصورى لأنه كان يقاتل باصرار وايمان ويقين بنصر الله تعالى .

وعن صوم رمضان يعلق المنصورى بقوله أن الطيار يسمح له بالإفطار  بالإفطار لحاجته إلى 6000 سعر حراري بعكس الإنسان العادي الذي يحتاج 1000 فقط، ولهذا فقد أصدر القائد فتواه بالإفطار، بينما أردنا نيل شرف الشهادة ونحن صائمون تيمنًا بغزوة بدر أول غزوة في الإسلام في 10 رمضان، كنا نتناول الطعام من القائد الذي أخذ المبادرة بالإفطار لتشجيعنا، وكنا نرميه في الاتجاه الآخر، ونفذت الـ52 طلعة جوية خلال الـ18 يوما وأنا صائم بعونٍ من الله.

تحية الى نسور مصر فى ذكرى انتصار حرب أكتوبر ومرور 45 عاماً على تحقيق هذا النصر المبارك ،تحية الى كل من خطط وشارك وعبر القناة وحطم خط بارليف ، تحية الى من استشهد فى سبيل الدفاع عن الوطن ، تحية الى الأبطال الخالدين دائما ، الى الشهداء الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم فداء لأوطانهم ،تحية الى شعوب العالم العربى كافة ، والى كل من كان وراء جمع شمل الأمة العربية لتحقيق الهدف الأسمى واستعادة الأرض التى سلبت ، واستعادة الشرف ، والى اللواء طيار أحمد المنصورى الذى  تأثرت بكلامه وانفعلت مع مشاعره التى عبر عنها ضمن الفيلم الوثائقى وهو يستدعى ذكريات الحرب ويوصى ضمن وصيته لأبناءه بان يضعوا بجواره فى قبره كل النياشين والمتعلقات الخاصة بالحرب ، لكى تشهد له يوم القيامه … بارك الله فى عمره وأعمار كل من شاركوا فى رفع اسم الوطن والدفاع عن أرضه ، وتبقى رسالة مهمة وهى الدروس المستفادة من استعراض السير الذاتية لأبطال ساهموا فى تحقيق النصر ، فمن واجب المجتمع وواجب المناهج الدراسية أن تؤصل لهؤلاء حتى نربى الانتماء فى نفوس أبناء الأمة ، فى زمن غاب فيه الانتماء ، وأصبحنا فى حاجة ماسة الى استعادته بكافة الطرق والوسائل ، من المهم ان نستعيد النموذج ونؤسس لمفهوم القدوة عبر قراءة صور مضيئة من تاريخ الأمة وتاريخ الوطن ، علينا أن نستفيد من وجود تلك الرموز بيننا وأن نعلى من شأنها ونرصد لها مساحة ضمن مقررات الدراسة باعتباره واجباً قومياً فى اللحظة الراهنة .  

الى الملتقى مع نماذج مضيئة من تاريخ الوطن والأمة.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

6 تعليقات

  1. ربنا ينصرنا دايما يارب و يحفظ جنود واهل مصر جزاك الله خير يا دكتور

  2. جزيت خيرا علي هذا العمل العظيم يا دكتور ربنا يعلي من شأن حضرتك اكثر واكثر ونستفاد من حضرتك ودائما ابدا ربنا نصيرنا وحليفنا والله يرحم كل شهداء مصر الذين افدوا بدمائهم لرفع شأن كل مصري

  3. من الشخصيات القياديه جدا وحتي كلامه ولقاءاته السابقه وسرده للمعركه يدعون جميعا للفخر
    اختيار موفقك لحضرتك دكتور صلاح ان حضرتك تختار هذا الطيار العظيم صاحب الملحمه الجويه التي اذهلت العدو وتكتب عنه في ذكري العبور المجيد
    وننتظر من حضرتك المزيد من المقالات التي تتحدث في تاريخنا وحاضرا ومستقبلنا باذن الله

    • كل الشكر لحضرتك دكتور صلاح لفائدة الموضوع اول مره اعرف هذة المعلووومه تعليقى ان مجرد ذكرنا لكلمة الحرب ذات نفسها كلمة تبث الخوووف عند اى إنسااان إنما لو الإنسان عنده إيمان بالله وصبر وإرادة وحماسة اكيد هيتلاشى هذا الخووف فى سبيل انك تحقق السلام سواء لنفسك او لأهلك او لوووطنك وذلك ما حدث فى هذة الحرب وهى ان بإرادة الله ثم بإرادة جنودنا المصريين تم النصر وذلك حدث يدعو للفخر والشعور بالعزة.

  4. جيل لايتكرر ابطال حرب اكتوبر

  5. جزاك الله خير واختيار حضرت موفق يا دكتور
    فهذه شخصيه من قامات الحرب تدعونا للفخر وتعلمنا الصبر
    وننتظر المزيد من حضرتك يا دكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.