بقلم : مختار محمود
لا أحدَ فى مصر يعرفُ كيف يتم اختيارُ المحافظين، وما هى المؤهلاتُ التى يتم اختيارُهم على أساسها. السنواتُ الأخيرة لم تشهدْ محافظاً مُتميزاً يتحاكى بسيرته الركبانُ بصفةٍ عامةٍ، والجيزة بصفةٍ خاصةٍ. يأتونَ ثم يذهبون غيرَ مأسوفٍ عليهم. محافظة الجيزة – رغم أهميتها – تكادُ تكونُ الأشدَّ بؤساً فى محافظيها. التاريخ القريب – على الأقل- لا يذكرُ لها محافظاً نابهاً استطاع أن يغير من واقعها البائس شيئاً أو يصنع فارقاً ملموساً. معظمُ محافظي الجيزة كانوا “أمنيين متقاعدين”، أدوا مهمتهم الوظيفية، وتدرجوا فيها تدرُّجاً روتينياً حتى أحيلوا على التقاعد. محافظ الجيزة الحالى “نموذجٌ فجٌّ” على الحظ السيئ لقاطنى الجيزة من ريفها إلى حضرها. المحافظُ الحالى لم يكنْ أحدٌ يعرفُ عنه معلومة واحدة، ولم يحتفظْ أرشيفُ الصحف الورقية والألكترونية- على اتساعه- بصورة واحدة له فى أىٍّ من مراحل عمره. ولا يزالُ بعضُها يفشل فى نشر صورته، بعد مرور أكثر من 40 يوماً- من اختياره المشؤوم. ولأن المُقدمات تُعطى مؤشراً للنتائج. فإنَّ مؤشراتِ أداء وقرارات وتحركات وتوجيهات المحافظ الجديد تؤكدُ أنَّ حظ الجيزة السيئ لا يزال مستمراً، وأنَّ الرجل القادم من ” غياهب التقاعد والمجهول” لا يحملُ فى “جرابه” خيراً يُذكرُ، بل شراً مُستطيراً. المتابعُ للتقارير الصحفية المنشورة عن محافظ الجيزة، يتأكدُ أنَّ جميعَها سلبيةٌ وتنذر بمستقبل أشدَّ غموضاً، وأنَّ مشاكل المحافظة سوف تتراكمُ أكثرَ وأكثرَ تحتَ رعاية “معالى الوزير المحافظ المغمور”. من بين القرارات التى اتخذها المحافظ المجهول: هدمُ وتكسيرُ بعض العمارات الجديدة – بصورة عشوائية وانتقائية- على رؤوس قاطنيها بالمخالفة لأية اعتباراتٍ قانونيةٍ أو أخلاقيةٍ أو اجتماعيةٍ. المحافظُ الذى يتقمصُ شخصية “هريدى أبو الهدد” فى فيلم “الراقصة والسياسى” يجدُ سعادته فى الهدم وليس البناء، التخريب وليس التعمير. المحافظ ُ”الغشيم” يتفاخر فى الصحف بأنه أصدر توجيهاته بهدم العمارات الجديدة أو تكسير بعض أدوارها دون إنذار سابق، ودون مراجعة أوراقها، سليمة كانت أو تحتاج لاستكمال الإجراءات، ظناً من “عقيدته الأمنية الراسخة” أنه “يُحسن صُنعاً”، ولكن الواقع ينبئ أنه من “الأخسرين أعمالاً”.
المُضارون من أصحاب العمارات يؤكدون أنهم ليسوا مخالفين، وأن أوراقهم سليمة، كما يؤكد فريقٌ آخرُ أنه كان على استعداد للتصالح ودفع الغرامات المُستحقة، بدلاً من الهدم الذى لن يستفيد منه سوى “المقاولين” الذين سوف يعيدون البناءَ مرة أخرى. هدمُ العمارات المخالفة لن يفيد الحكومة فى شيء، ولكنه يضيرُ مُلاك الشقق، وجميعُهم من الغلابة والمعدومين الذين ظلوا أعواماً يحلمون بـ “4 جدران وسقف” تقيهم ذل العراء أو دفع الإيجار الشهرى. سياسةُ الهدم سياسةٌ باطشةٌ بائسةٌ غبيةٌ، وتنمُّ عن عقلياتٍ لا تملكُ الحدَّ الأدنى من مهارات الإدارة، وأبجديات الإنسانية. هدمُ العمارات الجديدة، حتى لو كانت مخالفة، ليس هو الحل الأمثل أو الوحيد، ولكنَّ هناك حلولاً أخرى، لا تهدرُ حقوق المواطنين الذى يحملون الجنسية المصرية، فربما كان المحافظ “الغشيم” جاهلاً بهذه المعلومة. ومن بين هذه الحلول: تغريم مالك العمارة إذا ثبت أنه أخطأ ولم يستخرج الأوراق اللازمة، لأنه ليس من المنطقىِّ أن يتم إدخالُ جميع المرافق من “مياه/ كهرباء” وخلافه، لعمارةٍ مُخالفةٍ.ولكن عندما يكونُ المحافظُ “غشيماً” فإنَّ قراراته لن تكون إلا “غشيمة” مثله. “غشم” المحافظ الجديد لم يتوقفْ عند تقمص دور المعلم “هريدى أو الهدد”، بل فى الإجراءات التى وجَّه بها لتنظيم حركة المرور فى محيط ميدان الرماية والتى أصبحت صداعاً فى رؤوس قاطنى حدائق الأهرام والمتجهين إلى أكتوبر، وهى إجراءات أجمعوا على وصفها بـ “الغشيمة”.. جميعُ هذه المؤشرات وغيرُها تؤكد الجيزة سوف تبقى محافظة منكوبة بمحافظيها..
وللهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ.