بقلم .شحات خلف الله عثمان
***************************
فى ظل العولمة الحديثة وبعد انتشارها فى مفاصل المجتمعات والتى لم يسلم منها الحضر والريف من المحيط الى الخليج عبر شاشات التلفزة والحواسب والهواتف يؤسفني أن أقول أن رياح التغيير تلك أصابت الصعيد وماتت معها المشاعر التى كنا نتشدق بها بإننا ما زلنا الكيان الوحيد المحافظ على بواقى الخصال الحميدة وما دفعنى لكتابة هذا المقال هو رؤية بعض الأمور فى المجتمع المحيط كانت فى الماضى من سابع المستحيلات وضعها على خريطة التوقع البشري .
أصبح التواصل بين أهل القرية فى بعض المناسبات فقط كالزواج أو الجنائز بينما كان فى السابق وليس البعيد كنا نتشاطر مختلف المناسبات ونتقارب من بعضنا البعض وكان الجار السند والعضد لجارة يهرع اليه فى السراء والضراء ويحتفي بزائرية ويستقبلهم ويقوم بدعوتهم فى منزلة بإعتبارها نوع من أنواع التعبير عن ضرورة وأهمية التشابك المجتمعي.
واقع الحال اليوم أصبح الأخ يتوارى من أخية واذا سلك دربا من الدروب سلك دربا أخر وكأنه رآى شيطان ، أصبحت المنازل تحوى أكثر من جهاز تلفاز وأكثر من هاتف مرتبط بالشبكات العنكبوتية وكل فى واد يغنى على ليلاه وأصبح الحوار بين أهل وافراد المنزل الواحد عن طريق تلك الأجهزة .
مما لا شك فيه أننا فقدنا التواصل بينا كأسرة وأحدة وأخذنا نبحث عن معرفات على الأنترنت مما جعلنا نبحث فيها عن الحبيب والصديق والأخ والأب الروحى والملهم والقائد رغم أن تلك المعرفات فيها الغث والسمين وفيها الصالح والفاسد لكن هيهات من مجيب فقد أصبحت هذة المعرفات هى الأسر الحقيقيه للشرائح العمرية من بداية سن التمييز حتى منتصف الخمسينات تقريبا ومن بداية الستينات تبدأ مرحلة العزلة الكبري خلف شاشات التلفزيون التى أصبحت من ضروريات كل الغرف المنزلية .
الأدهى من ذلك أننا احيانا على صفحات التواصل الاجتماعي نتواصل مع معرفات من ذات المنطقة ولا نتواصل على أرض الواقع أو حتى نتعامل بفتور غريب مما يجعل العلاقة مجرد علاقة الكترونية خالية من أى مشاعر فعلية على أرض الواقع ونصنع بإيدينا عالم تواصل الكتروني مثالى ونموذجى لو طبقناه على أنفسنا وفى مجتمعنا لتغيرت الكثير من السلوكيات السيئة التى تنوء عن حملها الجبال الراسيات .
انتشار الجرائم فى المجتمع الصعيدي بين المحارم لم يكن يتخيله عاقل منذ بضع سنوات ولكنه واقع فعلي من ينكره أشبه ما يكون بالنعام الذى يدفن رأسه بالرمال وكان مجرد سماع مثل تلك الواقع يجعل شعر رأسه يصاب بالشيب المبكر .
انتشار المخابز والأفران والمغاسل ومقاهي الأنترنت والنوادي وصالات الأفراح ربما ساهمت أيضا بصورة غير مباشرة فى زيادة الفجوة بين السلوكيات المتوارثة والوضع الراهن ، لم يعد البيت يقوم بالخبيز فى الأفران البلدية ولم تعد الفراشات ودعوة اهالى القرى فى ( الصوان ) عند الأفراح من اولويات الشرائح المجتمعية الجديدة فقد اقتصر الأمر على صالة أفراح يذهب لها القليل بسبب بعدها المكاني عن النطاق المحيط بكبار السن وغيرها الكثير والكثير من الأمور .
لا أكتب هنا ليفهم من كلامي أنني أدعوا الى العودة الى العصر الحجرى وهجر العولمة وعدم مواكبة التطور الحديث ، بل أكتب فى محاولة لتسليط الضوء وتوجية صرخات تلو الصرخات الى الحفاظ بقدر الإمكان على سلوكيات توارثناها كابر عن كابر كانت تميز المجتمع الصعيدي عن بقية المجتمعات فقد وصلت تلك السلوكيات الى مرحلة الأحتضار السريري