إيليا عدلي يكتب : لا تجذبني خارج البئر
20 سبتمبر، 2018 مقالات واراء
“لا تجذبني خارج البئر؛ فإنك تؤلم يدي، وأنا هالك لا محالة”.. هكذا أتصور لسان حالنا في مشهد إصلاح المنظومة التربوية التعليمية. . هنالك حكومة لديها فكرة جديدة للإصلاح، تبلورت ونضجت، وعملت الوزارة على توفير الميزانيات التي تخدم تطبيقها إلى حد ما، وهنالك الرأي العام الذي يُعتَبر بجملته من أولياء أمور لتلاميذ بمختلف المراحل، وهنالك معلم هو حجر زاوية وعمود أساسي لإنجاز الفكرة.
هذا الثالوث المتضافر اجتماعيا وسياسيا، المتعامل مع فكرة الإصلاح، استقبل هذا الحدث الجلل بردود أفعال متفاوتة، سريعة، قلقة، بمقدار ما مررنا به من تجارب، وما تمررنا به من إخفاقات متلاحقة.
أود أن أبدأ هنا من النهاية، وهو العنصر الأهم والفاعل الأساسي لتطبيق أي نظام تعليمي.. “المعلم”، وبالطبع يتركز حديثي عن المعلم المجتهد الباحث المفكر صاحب الرسالة، والذي كثيراً ما طالب بتغيير واقع مرير، من واقع تخصصه العلمي المهني ومن واقع دراسته واهتماماته التخصصية، ومن اخفاقات أساسية رصدها العقل الجمعي لأرباب مهنة التربية، قد ينكرها البعض للتجمل وتحسين الصورة؛ لعجزنا عن الإصلاح فيما مضى، وهذه الإخفاقات كالتالي:
تدني المستوى العام لمخرجات العملية التعليمية.
تفشي ظاهرة الغش.
القصور الشديد في ميزانية التعليم وما ينتج عنه من مرتبات هزيلة.
انتقال العملية التعليمية من البيئة المدرسية الصحية إلى خارجها.
انحدار التصنيف الدولي للتعليم في مصر للترتيب 139، والثالث عشر عربياً.
وبناءً على ما سبق بَحَّ صوت الإصلاحيين من مفكري التربية والمعلمين، مطالبين الحكومات المتعاقبة بتغيير نظام الإمتحانات بما يتناسب والمعايير الدولية، وبما يتناسب مع التطور التكنولوجي ومطالب العصر، وتطوير المناهج بما يسهم في تجويد المُخرَج التربوي وهو مواطن قادر على العمل الاحترافي والإبداع، مواطن يعظم دور العلم والفن ويستخدمهما في حياته اليومية، مواطن يُقَدر الآخر ويحترم اختلاف الرأي، مواطن قاريء ناقد محلل وليس مجرد حافظ مردد مسترجع لما يتم تلقينه به.
ونأتي هنا للعنصر الثاني وهو “الحكومة”، الجهة التنفيذية الموكلة من قبل النظام والدولة بالتخطيط والتنفيذ لإطار تنظيمي يمثل الوعاء الذي ينقل رؤية المتخصصين والتربويين والمعلمين، ويصيغها في قالب قابل للتنفيذ، ثم يبدأ التنفيذ الفعلي ويعمل على المتابعة والتطوير المستمر.. وفي الحقيقة هو دور ليس بالهين في ظل العديد من المعوقات والتحديات المتمثلة في الميزانية المالية المرتبطة بأزمات عديدة تواجهها الموازنة العامة للدولة.. وهنا يأتي دور الأولويات ورؤية الدولة للتعليم كأولوية مطلقة، وأنه مسألة مصيرية لا جدال في اعتلائه صدارة الإهتمام، وعلى الأقل النظر في النسبة التي خصصها له دستور 2014، بل نأمل بالتدرج في زيادة هذه النسبة كلما ارتفع الناتج المحلي للمشروعات الجاري تأسيسها، واستقرت نسبة التضخم باستقرار إقتصادنا.
العنصر الثالث.. “الرأي العام” المتمثل في أولياء الأمور والطلاب وهو يمثل تقريباً الجميع بما فيهم المعلمين، وهنا تظهر أهمية وخطورة القضية، فهي تمس الجميع، والجميع ينتابهم القلق، وخصوصاً الغير متخصصين في مجال التربية والأنظمة التعليمية، وأدعي من ملاحظتي العامة أن هذا القلق غير صحي وغير موضوعي؛ لأنه قلق ناتج عن سوء التجارب السابقة وفشلها، فكلما طالب الرأي العام والمعلمون بإصلاح التعليم في الأيام الغابرة نسمع عن مؤتمرات وندوات لا معايير علمية واضحة لها بالشكل الكافي ويتمخض الجمل دائماً ليلد فأراً، يلغى الصف السادس الإبتدائي أو يعود، يلغى نظام الثانوية العامة لسنة واحدة أو يعود، يتغير نظام أعمال السنة شكلاً وليس مضموناً.. تغييرات سطحية لا عمق فيها نحو التطوير الحقيقي؛ كلها أثرت سلبيا على مصداقية أي تغيير قادم..
ويأتى الآن نظامٌ جديدٌ كلياً، به معظم ما كنا نطالب به، نظام إمتحانات متعدد الفرص، لا يتدخل عنصر بشري بالتصحيح المباشر لأسئلته التي تأتي مباشرة من بنك الأسئلة مما يستحيل معه التلاعب في درجات طالب، ويغلق باب الفساد، توقيت محدد للإمتحان لا يدع فرصة لمحاولة الغش، والأكثر من ذلك هو التغيير الكلي والجذري لنظام تعليم رياض الأطفال والإبتدائي، لذا من الحكمة أن نساهم في إنجاح الفكرة، لأنها فرصتنا الأخيرة للحاق بركب التقدم وسط دول كانت يوماً تستقي العلم من ضفاف نيلنا.