الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
عماد جاد

عماد جاد يكتب : السياسة والأمن

هناك وصفة نموذجية لإدارة شؤون البلاد فى الدول التى تخطو خطواتها الأولى على طريق التطور الديمقراطى وهى المزج ما بين السياسة والأمن فى الإدارة، وبطريقة متوازنة لا يتم زيادة مقدار أى من المكونين على حساب المكون الاخر، وعادة يقاس نجاح تجارب الدول فى التحول الديمقراطى عندما تشغل السياسة غالبية المكون ويتراجع الأمن إلى شغل المساحة المحددة التى يشغلها فى النظم الديمقراطية المستقرة. بالطبع فى بدايات مرحلة التحول الديمقراطى لا سيما إذا كان فتح باب التحول نتيجة ثورة أو أعمال عنف أسقطت نظاما سلطويا، عادة ما تشهد هذه البلاد فوضى واضطرابا وسيولة تصل إلى مرحلة غياب مؤسسات الدولة عن الفعل، فى مثل هذه الحالات عادة ما تبدأ مرحلة التحول الديمقراطى باستعادة الأمن وفرض هيبة الدولة وعودة مؤسساتها للعب دور فاعل، وهنا يزيد دور المكون الأمنى على حساب السياسى حتى يتم القضاء على مظاهر غياب الدولة وبقايا مرحلة الفوضى. والمفترض أن دور المكون الأمنى يتراجع بعودة مؤسسات الدولة وزيادة معدلات الاستقرار وبدء عملية التحول الديمقراطى.

الدول التى نجحت فى الانتقال من نظم حكم سلطوية إلى صيغة من صيغ الحكم الديمقراطى هى التى نجحت فى تقليص المكون الأمنى لحساب السياسى تدريجيا، ولو نظرنا إلى تجارب التحول الديمقراطى فى دول شرق ووسط أوروبا بعد سقوط سور برلين عام ١٩٨٩، سنجد أن الدول التى سبقت فى الوصول إلى بناء نظام ديمقراطى مستقر هى تلك الدول التى نجحت فى الوصول إلى الصيغة الأمثل فى معادلة السياسة والأمن بحيث اتسعت مساحة الأولى على حساب دور الثانية وكان مؤشر النجاح هو تلبية شروط عضوية الاتحاد الاوروبى، الشروط كانت حزمة من الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدت واضحة فى معادلة المزج ما بين الكثير من السياسة والقليل من الأمن، وكان يقاس مدى نجاح عملية التحول الديمقراطى بتقلص دور المكون الأمنى لحساب السياسى فى معادلة الحكم والإدارة.

نعنى بالسياسة هنا اللجوء إلى الحوار وتبادل الرأى، التعاطى مع واقع التنوع والتعدد، سيادة الشفافية واستقرار مبدأ المحاسبة، أما المكون الأمنى فيعنى الاعتماد على الأجهزة الأمنية فى التعامل مع القضايا السياسية، الضيق بالنقد السياسى والرغبة فى سيادة الفكر الواحد واللون السياسى الواحد، اتساع مساحة ومكانة نظرية المؤامرة بحيث إن من يعارض الصوت السائد عادة ما يوصف بالخيانة بل العمالة للخارج، وكلما اتسع دور المكون الأمنى اقترب النظام من نمط الحكم السلطوى، والأخطر من ذلك هو امتداد دور أجهزة الأمن للسيطرة على مؤسسات الدولة الأخرى وفى مقدمتها المؤسسة التشريعية فيتحول أعضاء المؤسسة إلى أدوات بأيدى الأجهزة الأمنية تلقنها ما تقول وتوزع الأدوار عليها على النحو الذى يحول المؤسسة إلى أداة بيد الأجهزة الأمنية ويصير وزن كل عضو حسب إخلاصه وولائه للأجهزة الأمنية.

فى تقديرى أن لزيادة مساحة ودور المكون الأمنى مخاطر شديدة على تجارب التحول الديمقراطى، المكون الأمنى يمكن أن ينجح فى حفظ أمن الحاكم ونخبته، لكنه أبدأ لا يحقق الاستقرار السياسى كما أنه يعوق عملية التحول الديمقراطى وعادة ما ينتهى بخروج المواطنين على هذه المعادلة، هذا بعكس التجارب التى يتزايد فيها دور المكون السياسى حيث قد يبدو المشهد غير آمن وغير مستقر، لكنه فى الحقيقة عكس ذلك تماما، فزيادة المكون السياسى على حساب الأمنى سوف تشجع على وضع قواعد واضحة للعبة السياسية وبمرور الوقت تستقر القواعد المؤسسة للديمقراطية وتغيب مشاهد العنف والإكراه وكافة أشكال انتهاكات حقوق الانسان التى هى إفراز طبيعى لزيادة المكون الأمنى على حساب السياسى

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.