بقلم الشيماء حسن :
مشهد 1 : مجموعة من الركاب داخل اتوبيس نقل عام يجلس فى الامام رجل بجواره امرأة تنام مستنده على كتفه يجلس خلفهما رجل ملتحى ( نسميه شيخا للحيته وكبر سنه ) يتأفف مزمجرا وغاضبا طوال الطريق .
مشهد 2 : يوكز الشيخ المرأة فى ظهرها بغضب على حين فجأة فتصحو مفزوعة متأرنحة بينما يذبهل الرجل بجوارها والذى يتبين انه زوجها ويتحول الموقف لتعارك بالايدى بين الزوج والشيخ .
مشهد 3 : يتدخل ركاب الاتوبيس لفض العراك بين الرجلين بين مشارك للزوج فى اندهاشه ورفضه للاعتداء ومؤيد للشيخ الملتحى فى حميته ومهاجم بابشع الاتهامات للزوجين .
مشهد 4 : ينتشر الموضوع سريعا ويشتهر على قدر شهرة الزوج فهو بلوجر ومنشد له متابعينه ومعجبينه فيقوم بكتابة بوست شارحا الموقف يليه سلسلة من البوستات التوضيحية التارة والمعاتبة تارة والمطالبة بالمساعدة لاخذ حقه من هذا الشيخ تارة اخرى .
• منتهى العبث
فقط فى الدول العربية والاسلامية تجد هذه المشاهد لا نرى امثال هذا الشيخ الا فى بلادنا من يعيش موهما نفسه انه حامى الحما ويضع قواعد يلزم الجميع بها والا اثار حفيظته وقرر اصلاح المنظومة الاخلاقية المتهالكة باسناد امرأة رأسها على كتف رجل بالاعتداء على المرأة والرجل دون اى احساس بالخزى لاذية اناس مسالمين فهو فى نظر نفسه مجاهدا قويا يعمل على تغيير منكر بيديه .
اكثر ما يثير الحنق ان تجد فى مشهد العراك من يؤيد فعلة هذا الشيخ ويحنق على الرجل وزوجته راميين اياهم بابشع الالفاظ والاتهامات . حين يصدر فعل قبيح اعتدائى من شخص تستطيع القول انه سلوك فردى فتقبله وان لم تفهمه اما ان يجد من يسانده ويدعمه ويبرره باسم الدين والاخلاق وكأن الاعتداء على الاخر ركن دينى وثقافة مقبوله فهو ما يثير الرعب حقا .
اتعجب كثيرا لامثال هؤلاء الشيخ من اصحاب الحس المرهف لماذا لا يثير حفيظتهم مشهد الاطفال المشردين فى الشوارع ولا توجع كرامتهم الاعتداء على امرأة او التحرش بها .. لا يتدخلون مجاهدين لاصلاح المنظومة الاقتصادية او التعليمية او الصحية او السياسية ولا يعمل احدهم على تغيير منكر بيديه حين يرى مشاهد الظلم والفساد والرشوى والهمجية والتعصب ولا يثور بعضهم حين يتعثر فى طرق وعرة او ارصفة متهالكة او وسائل نقل مزدحمة وغير مريحة فقد يثير حفيظتهم امرأة تستند على كتف رجل فى اتوبيس عام فهذا هو المنكر بعينه .
هذا المجتمع مريض بمرض معدى وخطير اسمه ( التدين والاخلاق العامة ) باسمه يرتكب العديد من الشنائع ويتدخل فى حياة الناس وتصرفاتهم بشكل جنونى ويحكم عليهم باسلوب مرضى وبمببرات مفزعة فهو لا يتوانى عن ظلم انسان وقهره نفسيا وجسديا لا لسبب سوى لان تصرفاته الشخصية لا تعجبه او للشعور بافضلية ومثالية مفرطة او للاحساس بالفروسية والجهاد والادهى ان يبرر تلك الاعتداءات بمببرات دينية واخلاقيه ..
يصل الامر فى النهاية بان يختتم الزوج بوستاته ببوست مفصل عن سير يومهما هو وزوجته كيف مر ؟ ولماذا ادى الى احتياج زوجته للنوم على كتفه فى المواصلات العامة ! ووصف الفعل بانه لم يكن دلالآ وانما تعبا وارهاق منتهى العبث ان يحتاج رجل لتبرير او شرح موقف تلقائى خاص وتصرف شخصى لا يمت للاخرين بصلة وليسكت الالسنة وكأنه اصلا يحق لهؤلاء التدخل فى حياته ومحاسبته وزوجته .
نعيش فى مجتمع اصبح التنمر فيه صفة متغلغلة فى النفوس وممارسة يومية تجدها فى الشوارع والمؤسسات والمدارس التعليمية والادهى اننا نبرره .
ذلك الوضع العبثى المبتذل الذى نحياه وكأننا جميعا نعيش على نظام ” اخشع يلا ” والذى يمارس فيه الجميع على الجميع سلطة قهرية دينية ومجتمعية يستدعى اعادة احياء لمفهوم الثقافة والاخلاق والحريات الشخصية تلك المفاهيم التى انصهرت وانعجنت تحت قوة سلطة دينية ومجتمعية يحتكرها فقط مدعى المشيخة والفضيلة فتعاريف المنكر والاصلاح والدياثة والاداب العامة وغيرها كلها تعاريف عامة ممطوطة يطرزها البعض حسب اهوائهم ليغتصب كل منهم حق التدخل فى حياة الاخر دون محاسبه . ان لم نعيد تشكيل الوعى الدينى بما يتوافق مع جوهر الدين وفلسفته العميقة وليست القشرية فنحن سائرون جميعا نحو الهاوية لا محالة .
إلا دَعَا الناسَ إلى المسجدِ ..
يومَ الجمعَهْ ..
وقالَ في خطبتِهِ العَصْماءْ
بأنَّهُ من أولياءِ اللهْ …
وأصْفِياءِ الله ..
وأصدقاءِ اللهْ …
……..
لهذه المدينةِ المقهورةِ ،
المكْسورةِ ،
الحزينهْ …
إلا ادَّعى ، بأنه المُمَثِّلُ الشخصيُّ ،
والناطقِ باسْم اللهْ ..
فهلْ من المسموحِ ،
أنْ أسأله تعالى ..
هل أنت قد أعطيتهمْ وكالةً
مختومةً .. مُوقَّعَهْ ؟ ..
كي يجلسوا على رقاب شعبِنَا
إلى الأبدْ ….
هل أنت قد أمرتهمْ
أن يخربوا هذا البلدْ ؟
ويسحقونا كالصراصيرِ ،
بأمر اللهْ ..
ويضربونا بالبساطيرِ ،
بأمر الله …
……..
أريدُ أن أسألَهُ تعالى.
هل أنتَ قد علَّمْتَهُمْ
ويغسلوا دماغَنا ..
ويستبُوا نساءنا ..
ويركبونَا بدل الحميرِ والخُيُولْ ..
أريد أن أسألهُ تعالى
هل أنتَ قد أمرتَهُمْ ؟
أن يكسروا عظامنا ..
ويكسروا أقلامنا …
ويقتلوا الفاعل والمفعول
ويمنعوا الأزهار أن تنبُتَ في الحُقولْ ؟؟.
• الشعر لنزار قبانى